للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو معصية، فإن كانت طاعة تقدمتُ، وإن كانت معصية تأخرت.

هذا حال خَوَاصّ المحبين الصادقين، فافهموا -رحمكم الله- هذا، فإنَّه من دقائق أسرار التوحيد الغامضة. وإلى هذا أشار - صلى الله عليه وسلم - في خطبته لما قدم المدينة حيث قال: "أحبوا الله من كل قلوبكم" وقد ذكرها ابن إسحاق (١) وغيره.

فإن من امتلأ قلبه من محبة الله لم يكن فيه فراغ لشيء من إرادات النفس والهوى، وإلى ذلك أشار القائل بقوله:

أروح وَقد ختمت على فُؤَادِي ... بحبِّك أَن يَحُلَّ بِهِ سواكا

فَلَو أَنِّي اسْتَطَعْت غضضت طَرفِي ... فَلم أنظُر بِهِ حَتَّى أراكا

أحبك لَا ببعضي بل بكلِّي ... وَإِن لم يُبْق حُبُّك لي حِراكا

وَفِي الأحباب مَخْصُوص بوجدٍ ... وَآخر يَدَّعِي معه اشتراكا

إِذا اشتكبت دموعٌ فِي خدودٍ ... تبيَّن من بَكَى مِمَّن تباكى

فَأَما من بَكَى فيذوبُ وجدًا ... وينطقُ بالهوى من قد تشاكى

متى بقي للمحب من نفسه حظ، فما بيده من المحبة إلا الدعوى، إِنَّمَا المحب من يفنى عن نفسه كله، ويبقى بحبيبه، "فبي يسمع، وبي يبصر".

القلب بيت الرب:

وفي الإسرائيليات يقول الله: "ما وسعني سمواتي ولا أرضي، ولكن وسعني قلبُ عبدي المؤمن" (٢). فمتى كان القلب فيه غير الله، فالله أغنى الأغنياء عن الشرك، وهو لا يرضى بمزاحمة أصنام الهوى.

الحق -تعالى- غيور، يغار عَلَى عبده المؤمن من أن يسكن في قلبه سواه،


(١) أخرج ذلك البيهقي في الدلائل (٢/ ٥٢٤ - ٥٢٥) من طريق ابن إسحاق، وذكر ذلك ابن هشام في السيرة (٢/ ١٤٦ - ١٤٧) دون إسناد.
(٢) انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (١٨/ ١٢٢) فقد ذكر أن هذا الحديث من الإسرائيليات.