للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن قتل دون أهله فهو شهيد» «١» .

وظاهر الحديث أن درجة القاتل والقتيل في العذاب بالنار سواء، لأن كلا منهما بذل منتهى جهده لقتل صاحبه، غاية الأمر أن ضربة أحدهما نفذت قبل الآخرى.

وقيل: بل درجتهما مختلفة، فالقاتل يعذب على القتال والقتل؛ والقتيل يعذب على القتال فقط؛ فعذاب القاتل أطول أو أشد.

وقد اختلف العلماء سلفا وخلفا في القاتل إذا تاب أتنفع توبته، فتدرأ عنه العذاب أم لا تنفع؟ قال جماعة بالثاني منهم ابن عباس وزيد بن ثابت؛ مستدلين بقوله تعالى في سورة النساء وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ ... «٢» إلخ، وقال كثيرون بالنفع لقوله تعالى في صفة عباد الرحمن وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً. يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً. إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «٣» ، وقالوا: إن هذا الاستثناء مراعى في آية النساء، وكذلك اختلفوا في القصاص. فمن قائل: إنه لا يدفع الإثم مستدلا بقوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ «٤» ، فإنه يفيد أن القصاص لمصلحة الناس فحسب، وذلك بردع «٥» بعضهم عن بعض؛ أما القتيل المظلوم فلا يزال حقه باقيا يأخذه يوم القيامة، ومن قائل: إنه يدفع الإثم لأن جزاء السيئة سيئة مثلها، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبادة بن الصامت بعد ذكر القتل وجرائم أخرى «ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له» . رواه البخاري.

وقد استدل بالحديث على أن قصد الجريمة، والعزم عليها والتصميم يعاقب به المرء وإن لم تقع منه الجريمة. إذ علل عقاب القتيل في الحديث بأنه كان حريصا على قتل صاحبه، والحرص فرط الإرادة كما بينت لك في اللغة. وفي رواية: إنه أراد قتل


(١) رواه أبو داود في كتاب: السنة، باب: في قتال اللصوص (٤٧٧٢) . ورواه الترمذي في كتاب: الديات، باب: ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد (١٤٢١) .
(٢) سورة النساء، الآية: ٩٣.
(٣) سورة الفرقان، الآيتان: ٦٨- ٧٠.
(٤) سورة البقرة، الآية: ١٧٩.
(٥) بردع: زجر ومنع.

<<  <   >  >>