للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صاحبه، وقد اعترض على هذا الاستنباط بما جاء في حديث ابن عباس عند البخاري «ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة؛ فإن هو همّ بها، فعملها كتبها الله له سيئة واحدة» «١» .

ومثل ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة عند البخاري أيضا «إذا أراد عبدي أن يعمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها فإن عملها فاكتبوها له بمثلها. وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة» «٢» ، فلم يجعل في الهم بالسيئة عقابا إذا لم يقترن بعملها.

وجعل في تركها خشية الله ثوابا. إذ جاهد باعث الشر حتى غلبه. وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى «٣» ، وقد دفع هذا التعارض بعض العلماء بالتفرقة بين الهم والعزم. فالأول: مرور الفكرة بالنفس من غير استقرار فيها.

والثاني: التصميم على المعصية وتوطين النفس عليها. فالعقاب على الثاني دون الأول. وهو دفع مدفوع. وتفريق مردود. ولم يقم عليه دليل ثم إنه صرح بالإرادة في حديثنا وفي حديث أبي هريرة المعارض. فالصواب من القول إنه لا تعارض أصلا. فإن حديثنا لم يرتب العقاب فيه على مجرد الحرص أو الإرادة بل هو مرتب على أمرين. الأخذ في تنفيذ الجريمة برفع السيف والتقاتل به. وسبق الإصرار عليها. وبعبارة أخرى: الشروع في الجريمة والقصد الجنائي كما يقول رجال القانون.

أما مجرد الشروع في الجريمة والقصد الجنائي كما يقول رجال القانون. أما مجرد العزم بدون تنفيذ فلا يدل حديثنا على المؤاخذة به وظاهر حديث ابن عباس وحديث أبي هريرة أنه لا عقوبة فيه. بل التعبير بصيغة الافتعال في جانب الشر دون جانب الخير في قوله تعالى: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «٤» ، يشعر بأن الشر لا بد فيه من المعالجة والمخالطة ليحسب على المرء فلا يكفي فيه مجرد النية. أما الخير فالنية فيه لها ثواب بقدرها: ويؤيد هذا حديث أبي هريرة عند الشيخين «إن الله تجاوز


(١) رواه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: من هم بحسنة أو بسيئة (٦٤٩١) .
(٢) رواه البخاري في كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ... (٧٥٠١) .
(٣) سورة النازعات، الآيتان: ٤٠، ٤١.
(٤) سورة البقرة، الآية: ٢٨٦.

<<  <   >  >>