للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تبلغنا العيون بما أردنا ... وفي القلبين ثم هوى دفين فلما سمع البيتين شهق وأغمي عليه فنضحوا الماء على وجهه، فأفاق بعد ساعة وقد تمكن حب كل منهما من قلب الآخر، وانصرفا وقد أصاب المجنون لوثة ولم يزل في جنبات الحي منفرداً عارياً ولا يتكلم، إلا أن يذكروا له ليلى فيثوب إليه عقله.

فلما تولى الصدقات عليهم نوفل بن مساحق رأى المجنون يلعب بالتراب عرياناً، فسأل عنه فأخبروه بخبره وحكوا له ما هو فيه، فأراد أن يكلمه فقيل له: ما يكلمك إلا إن ذكرت له ليلى وحديثها، فأقبل عليه وذكرها له فثاب إليه عقله وأقبل يحدثه بحديثه وينشده شعره فيها، فرق له نوفل وقال له: أتحب أن أزوجكها؟ قال: نعم، وكيف لي بذلك؟ فدعا له بثياب فألبسه إياها، وراح معه كأصح ما يكون يحدثه وينشده، فبلغ ذلك رهط ليلى فتلقوه بالسلاح وقالوا: لا والله يا ابن مساحق، لا يدخل المجنون منازلنا وقد أهدر السلطان دمه، فأقبل بهم وأدبر فأبوا، فقال للمجنون: إن انصرافك (١) أهون من سفك الدماء، فانصرف وهو يقول (٢) :

أيا ويح من أمس يخلس عقله ... فأصبح مذهوباً به كل مذهب

خلياً من الخلان إلا معذراً (٣) ... يضاحكني من كان يهوى (٤) تجنبي

إذا ذكرت ليلى عقلت وراجعت ... روائع عقلي من هوى متشعب

وقالوا صحيح ما به طيف جنة ... ولا الهم إلا بافتراء التكذب

تجنب ليلى أن يلج بك الهوى ... وهيهات كان الحب قبل التجنب

ألا إنما غادرت يا أم مالك ... صدى أينما تذهب به الريح يذهب


(١) ر: اصرافك.
(٢) الديوان: ٧٨.
(٣) الديوان: معذباً.
(٤) ر: يلهو.

<<  <  ج: ص:  >  >>