للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إن المجنون وأهله وعشيرته اجتمعوا إلى أبي ليلى ووعظوه وناشدوه الرحم وقالوا: إن هذا الرجل هالك، وقد حكمناك في المهر، فأبى وحلف بالطلاق أن لا يزوجها به أبداً وقال: يا قوم أفضح نفسي وعشيرتي!! فانصرفوا عنه، وزوجها رجل من قومه وبنى بها في تلك الليلة، فيئس المجنون وزال عقله جملة، فقالوا لأبيه: احجج به وادع الله له فلعل الله أن يخلصه، فحج به، فلما كان بمنى سمع صارخاً بالليل يصيح " يا ليلى " فصرخ صرخة كادت نفسه تزهق معها ووقع مغشياً عليه، ولم يزل كذلك حتى أصبح فأفاق وهو حائل اللون وجعل يقول (١) :

عرضت على قلبي العزاء فقال لي ... من الآن فايأس لا أعزك من صبر (٢)

إذا بان من تهوى وأصبح نائباً ... فلا شيء أجدى من حلولك في القبر

وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدري

دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائراً كان في صدري

دعا باسم ليلى ضلل الله سعيه (٣) ... وليلى بأرض عنه نازحة قفر قال العتبي: مر المجنون يوماً بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم بارد، فوقف عليه المجنون ثم أنشأ يقول (٤) :

بربك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها؟

وهل رفت عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في نداها؟ فقال: اللهم إذ حلفتني فنعم، فقبض المجنون بتلك يديه قبضتين من الجمر فسمع نشيش لحمه وسقط لحم كفيه مع الجمر ووقع مغشياً عليه


(١) الديوان: ١٦٢ مع اختلاف في ترتيب الأبيات.
(٢) الديوان: فاجزع لا تمل من الصبر.
(٣) الديوان: أسخن الله عينه.
(٤) الديوان: ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>