للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لجارية يقال له حوذانة (١) مليحة الغناء حسنة الوجه بارعة الظرف والأدب، وكان لأبي الأصبغ ابن يقال له الأصبغ ولم يكن بالعراق أحسن منه، وكان غالب أهل بغداد (٢) يتعشقونه ولا يقدرون عليه، وكان يحيى بن زياد كثير الإفضال على أبي الأصبغ. وعزم أبو الأصبغ على أن يصطبح يوماً مع يحيى ابن زياد، فاهدي إليه يحيى من الليل جداء ودجاجاً وفراخاً وفاكهة وشراباً، وقال أبو الأصبغ لجورايه: إن يحيى يزورنا فأصلحن له ما يشبه مثله، فلما فرغ من الطعام لم يجد رسولاً يرسله إلى يحيى لأنه وجه بغلمانه في حوائجه، فوجه ابنه الأصبغ وقال له: لا تبرح أو تجيء بيحيى معك، فلماجاء الأصبغ قال يحيى للغلام: أدخله وتنح أنت وأغلق الباب وإن أراد الخروج فامنعه. فلما دخل إليه أصبغ وأدى الرسالة راوده عن نفسه فامتنع، فاروه يحيى فصرعه ورام حل تكته فل يقدر على ذلك فقطعها وقضى غرضه منه، فلما فرغ أعطاه أربعين ديناراً فأخذها، وقال له يحيى: امض وأنا في أثرك، فخرج أصبغ من عنده، فاغتسل يحيى وجلس يتزين ويتبخر، فدخل إليه مطيع بن إياس فرأى ما هو فيه، فقال له: كيف أصبحت؟ فلم يجبه وشمخ بأنفه وقطب حاجبيه وتعظم، فقال له: أراك تتبخر وتتزين فإلى أين عزمت؟ فلم يجبه وازداد قطوباً وتعظماً (٣) ، فقال له: ويحك، نزل عليك الوحي؟ كلمتك الملائكة؟ بويع لك بالخلافة؟ وهو يوميء برأسه: لا، لا؛ فقال له: فما خبرك؟ قد تهت فلا تتكلم كأنك قد نكت الأصبغ، قال: أي والله الساعة نكته وأعطيته أربعين ديناراً قطعت تكته، قال له: فإلى أين تمضي؟ قال إلى دعوة أبيه، قال مطيع: فامرأته طالق ثلاثاً إن فارقتك أو أقبل أيرك، فأبداه له يحيى حتى قبله، ثم قال له: كيف


(١) ص: حوذاته.
(٢) كذا هو، ولعل الصواب ((الكوفة)) لأن الحديث قد تقم عن فتيان الكوفة.
(٣) ص: وتعظيماً.

<<  <  ج: ص:  >  >>