للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدعى عبد العزيز، وكان أعجوبة الزمان، وفي لطائف الشعر والنظم فارسياً وعربياً أطروفة الدوران، سرقه من بغداد من السلطان أحمد بن الشيخ أويس، فكان عنده رأس ندمائه وعين أهل الفضل والكيس، والقاضي كان يربي الفضلاء، متطلباً من كل جهة الأدباء والشعراء، وكان أهل الفضل والأدب، يفدون عليه من كل فج وحتى صار مقامه كعبة الحاج لا كعبة الحج وصورة سرقته له أنه لما سمع بأوصافه أحبه، فأراد قربه، فالتمسه من مخدومه، فلم تسمح نفس السلطان أحمد بمفارقة نديمه، ثم اختشى من القاضي رغبة وخاف لشدة دهيه هربه، فوصى به وحرج عليه، وأقام له معقبات يحفظونه من خلفه ومن بين يديه، فأرسل القاضي إليه رسولاً ذكياً، فناداه نداء خفياً، وأجزل له العطية، ووعده مواعيد سنية وفرق ما بين السلطانين من الحسن والقبح، كفرق ما بين البحرين العذب والملح، والمبليين المساء والصبح، فلبى دعوته بالقبول، وواعد للخروج، بعض القفول، ثم خرج ولهيب الحر قد وقد، والسلطان أحمد عن الحريم قد رقد، ووضع ثيابه على ساحل دجلة، ووجه إلى داخل النهر في الطين رجله، ثم غاص في الماء ومخر، وخرج من مكان آخر، ولحق برفقائه، واختفى بينهم اختفاء اليربوع في نافقائه، فطلبه السلطان أحمد، ففتشوا عليه فلم يوجد، فبالغوا في طلابه، إلى أن وقفوا على ثيابه، ورأوا آثار رجليه في الطين، فلم يشكوا أن الموج اختطفه، فكان من المغرقين، فكفوا قدم السعي عن طلبه ولم يضيقوا على أحد بسببه ثم بعد أيام يسيرة، أخرج غريق بغداد رأسه بسيواس عند القاضي برهان الدين من تحت الحصيرة، فغرقه في أبحر نواله، وأسبغ عليه ذيل كرمه وأفضاله، فصار عنده مقدماً، ولديه مبجلاً معظماً، ألف له تاريخاً بديعاً، سلك فيه مهيعاً رفيعاً، وانتهج منهجاً منيعاً، ذكر فيه من بدء أمره إلى قرب وفاته، مع مواقفه ووقائعه ومصافاته، وشحه بظريف كناياته، ولطيف استعاراته، وفصيح لغاته، وبليغ كلماته، ورشيق إشاراته، ودقيق عباراته، مد فيه عنان اللسان، وهو موجود في ممالك قرمان، في أربع مجلدات ذكر ذلك لي من غاص بحره، واستخرج دره ووقف على تاريخ العتبى في اليمين، السلطان محمود بن سبكتكين، وأن هذا أحسن من ذلك أسلوباً، وأغزر يعبوبا، وأعذب شؤبوياً مع أني لم أقف عليهما، ولا وصلت لقصر الباع إليهما ثم إن الشيخ عبد العزيز هذا بعد لهيب هذه النائرة، انتقل إلى القاهرة، ولم يبرح على الإبراح، ومعاقرة راح الأتراح، حتى خامرته نشأة الوجد فصاح، وتردى من سطح عال فطاح، ومات منكسراً ميتة صاحب الصحاح، والله أعلم

ذكر ما وقع من الفساد في الدنيا والدين

بعد قتل قرايلوك السلطان برهان الدين

ولما قتل السلطان برهان الدين لم يكن في أولاده من يصلح للرئاسة، وينفذ أحكام السلطنة والسياسة، فرجع قرايلوك إلى سيواس، ودعا إلى نفسه الناس، فلم يجيبوه، ولعنوه وسبوه، فأخذ يحاصرهم ويناكدهم، ويضيق عليهم ويعاندهم، فاستمدوا عليه التتار فأمدوهم، وأتت طائفة منهم فنجدوهم، فكسرهم قرايلوك ففروا، واستنجدوا طوائفهم وكروا، وأقبلوا بالقض والقضيض، وملأوا اليفاع

<<  <   >  >>