في ذلك أمرهم، وما وسعهم إلا استصحابه معهم، وكان مالكي المذهب والمنظر، أصمعي الرواية والمخبر، فتوجه معهم بعمامة خفيفة، وهيئة ظريفة، وبرنس كهو رقيق الحاشية، يشبه من دامس الليل الناشئة، فقدموه بين أيديهم، ورضوا بأقواله وأفعاله لهم وعليهم
وحين دخلوا عليه، وقفوا بين يديه، واستمروا واقفين، وجلين خائفين، حتى سمح بجلوسهم، وتسكين نفوسهم، ثم هش إليهم، ومن ضاحكاً عليهم، وجعل يراقب أحوالهم، ويسبر بمسبار عقله أقوالهم وأفعالهم ولما رأى شكل ابن خلدون لشكلهم مبايناً، قال هذا الرجل ليس من هاهنا، فانفتح للمقال مجال، فبسط لسانه وسيذكر ما قال، ثم طووا بساط الكلام ونشروا سماط الطعام، فكوموا تلالاً من اللحم السليق، ووضعوا أمام كل ما به يليق، فبعض تعفف عن ذلك تنزها، وبعض تشاغل عن الأكل بالحديث ولها، وبعض مد يده وأكل وما جبن في مصاف الالتهام ولا نكل، وإلى الأكل أرشدهم، وناداهم وأنشدهم