ما فارقت ركابك، ولا هجرت أتعابك، والحمد لله الذي رزقني من يعرف قيمتي، ويحرز خدمتي، ولا يضيع حرمتي مع كلام فصيح صادع، بديع بليغ خالب خادع " فاهتزت فرحاً أعطافه، وتراقصت مرحاً أطرافه " وأعجبه ذلك وأغراه ميله إلى كتب التواريخ والسير، واستهواه حبه معرفة أحوال الملوك الذي ذكر، حتى شده عما خلبه، بسحر هذا البيان البديع وسلبه ثم إنه استوصفه بلاد الغرب وممالكها، واستوضحه أوضاعها ومسالكها، وقراها ودروبها، وقبائلها وشعوبها، كما هو دأبه وشأنه، والقصد في ذلك امتحانه، لأنه لم يكن محتاجاً ذلك، إذ في خزائن تصوره " صور " جميع الممالك، وإنما أراد بذلك معرفة مقدار علمه، وكيفية إبداء نصحه له وكتمه، فأملى كل ذلك من طرف لسانه، كأنه يشاهده وهو جالس في مكانه، وشرح تلك الأمور، كما في خاطر تيمور ثم قال له كيف تذكرني وبختنصر مع الملوك الأكابر؟ ولم ننل في النسب تلك المفاخر، وما نحن من يعاسيب النحل فأنى تعبينا مع الفحل؟ فقال أفعالكما البديعة أوصلتكما إلى تلك المنزلة الرفيعة فأعجبه هذا الكلام، وقال لجماعته