والمغرب - كل ذلك كان له أثر فعال، مِمَّا يجعَل أن يسلم تعليل ابن خلدون بدون جدال.
[٥ - طبيعة المذهب نفسه، وخصائصه]
إن النفوس ميالة -إلى اتباع مذهب ما- بطبيعتها، لما يتوفر عليه من يسر ومرونة في أُصوله وقواعده، ومنهجه في الاستنباط، وطريقته في معالجة الحوادث النازلة، ومدى توخيه المصلحة، ودفع المشقة، اللذين هما لباب الدين- مقصدا ومنهجا، ومنهما يفوح شذي السنة الأرج، وما يتراءاه العباد فيها من سهولة وسماحة، امتثالا لغير ما آية من كتاب الله جل علاه {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ... }{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ولقول الرسول عليه السلام "إنَّ الدِّيْنَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ هَذَا الدِّيْنَ أَحُدٌ إِلَّا غَلَبَهُ" وقوله "يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُا" الحديث.
ومذهب مالك -بدون شك- يتسم بما سلف وبكثير من الخصائص الأخرى، منها:
١ - كونه يعتبر الممثل الأصيل لفقه الفقهاء السبعة، الذي التزمه أهل مدينة الرسول، فهو امتداد طبيعي، عضوي، فكري، وتاريخي لأيام الرسالة واقترانه بفكرة إتباع السنة، وترصده عمل السلف الصالح، ورسوخ ذلك كله في أذهان المغاربة، جعلتهم يقبلون عليه بشغف كبير، استمساکابعامل الأمان، حتى لا يتورطوا في مستحدثات الأمور ومبتدعاتها، ورأوا أن الاتباع منجاة لهم من الوقوع فيما لا تحمد عقباه في دينهم ودنياهم، والإمام الذي وهب نفسه لخدمة السنة المطهرة، جدير أن تهفو الأفئدة لاتباعه، واتخاذه قدوة، وتطمئن إليه الفئة العاجزة عن استنباط الأحكام بنفسها من ينبوع الشريعة الإسلامية.