أظن أن المغاربة فضلوا المذهب المالكي، وتمسكوا به تمسكا فريدا، لسلوكه مسلكا وسطا لا إفراط فيه ولا تفريط، بحيث لا يعتمد على الرأي والقياس، بقدر ما يعتمد على النصوص، ويتبع ما أجمع عليه أهل المدينة، ويبتعد عن كل ما ليس فيه مصلحة راجحة للعباد وهو بهذا كله ينسجم مع طبيعة المغاربة التي تتشبث بالنقول الثابتة, والنصوص الصريحة، وتنفر من التأويلات البعيدة، والتشديدات المنفرة، والتعقيدات السقيمة، خوفا من الوقوع في الشبهات "الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشَبِّهَاتٌ ... " الحديث.
[٣ - خصوبة مصادره، وتعدد أجواء الاجتهاد فيه]
لا شك أن أي مذهب تنمو فروعه، وتتسع آفاق التفكير فيه بتعدد أصوله، وخصوبة مصادره، ومدى سعة تفكير الساهرين عليه من بعد إمامهم، وتعدد أجواء الاجتهاد فيه .. ومذهب مالك متوفر على هذا كله, فأصوله كثيرة، وقواعده خصبة، ومناهجه متنوعة، وتلاميذ الإمام ومن بعدهم قد وسعوا تفكيرهم في تطبيق أصول إمامهم في مختلف الميادين، وتفننوا في وضع القواعد وتنويعها، وجمع عدة أحكام تحت كل واحدة منها، وبذلك تركوا لنا ذخائر من التراث الفقهي الأصيل، المبني على القواعد والأصول، لا يقدر بأي ثمن.
[٤ - التمسك به جمعا للكلمة، وصونا للوحدة]
ولعل من أهم الأسباب البارزة التي جعلت المغاربة يتشبثون بمذهب واحد، أنهم أخذوا درسا مِمَّا وقع فيه غيرهم من بعض البلدان الإسلامية، ولا زالوا -مع الأسف- من براثن النزعات الطائفية، والخلافات المذهبية، التي شتتت أوصال البلد الواحد، بل مزقت أواصر الأسرة الواحدة، مع أن الدين واحد، وهدف الأئمة -رضوان الله عليهم-