من المسلم به أن كل مسلم له ارتباط وثيق -عقيديا وروحيا- بالديار المقدسة منبع الرسالة المحمدية، منذ اعتناقهم الإسلام، وظهور مذهب فقهي سني في دار الهجرة، هدف صاحبه خدمة السنة النبوية بتدوينها وحمايتها من الشوائب، وتوطيء فقهه بها في مسجد الرسول الأكرم، وبجوار قبره -عليه الصلاة والسلام- وتعاقب الوفود من التلاميذ والحجيج باستمرار - على المدينة المنورة، يرتوون ويروون، ثم انتشارهم انتشار الشعاع في شتى الأصقاع، مبلغين أصداء هذا المذهب ومزاياه إلى كثير من بقاع العالم الإسلامي- ومنه المغرب، واقترن طول عمر الإمام، وكثرة العلم، بعظمة المكان ذاته بيت الله الحرام، ومسجد رسول الله، وهيبة قبره، ومغداه ومرحاه، وأبنائه, وأبناء أصحابه، والأثر والذكر العطر بنوره, بلدة طيبة، وعلم زاخر ... كل ذلك وغيره، أهَّلَ الديار المقدسة - بصفة عامة، والمدينة المنورة بوجه خاص- أن تكون بذاتها وبروحها عاملا مهما لانتشار واستمرار مذهب مالك بالمغرب، وتمسك أهله به، تمسكهم بالعروة الوثقى، وذلك لعدة أسباب، منها:
أ- خروج المذهب على يد تلامذة مالك، وادخالهم إياه إلى بلدانهم وغيرها، وكان أول من أدخله إلى شمال افريقيا تلميذ مالك أبو الحسن علي بن زياد التونسي (ت ١٨٣ هـ).
ب- توافد الحجيج كل سنة على تلك البقاع المقدسة، وإعجابهم بالمذهب الذي وجدوه امتدادا لنهج السلف عقيدة، وعملا.