وإمامه أحمد بن حنبل، ولد وتوفي ببغداد (١٦٤ - ٢٤١) وكان إماما في الحديث بدون منازع، وانتشر مذهبه في المشرق عموما، غير أنه مع مر الأيام كاد أن يندثر -حيث لم يبق له حتى في البلدان الَّتِي انتشر فيها غير صدي خافت- لو لم يحيه محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عَشر الهجري، ومنذئذ انتعش، وأصبح له أتباع في بعض البلدان الإسلامية كالحجاز، والشام .... عدا المغرب.
من هذا يتضح أن المذاهب الفقهية السنية الَّتِي كتب لها البقاء، كانت -ولا زالت- منتشرة ومتنافسة في جل البلدان الإسلامية، باستثناء المغرب الأقصى الذي تسنم عرشه المذهب المالكي منذ أن تقلده المغاربة، رغم محاولة بعض ملوك الموحدين القضاء عليه- لكن بدون جدوى، الشيء الذي يدعو إلى طرح الأسئلة التالية لماذا انفرد المذهب المالكي بالنفوذ في المغرب؟ وما هي البواعث الَّتِي دفعت أهله إلى التمسك به تمسك الرضيع بأمه؟ وهل ذلك عن اختيار واقتناع بصلاحيته؟ أم فرض عليهم بالقوة- كما يدعي البعض؟ أم أن ذلك كان كنتيجة حتمية لعدم تعرفهم على المذاهب الأخرى؟
وأن المستنطق لتاريخ المغاربة سيجد أنهم كانوا يتسمون بالصلابة في الرأي، والتروي في اتخاذ المواقف الحاسمة، وعدم إقبالهم -بلهفة على كل جديد، وعدم تأثرهم بسرعة بكل وارد -كما هو ملاحظ اليوم- إلا بعد اختبارهم إياه، والتثبت منه بأنه يتلاءم مع مزاجهم، وبيئتهم الاجتماعية والعرفية، والعقلية والنفسية ... وهذا الموقف نفسه وقفوه ازاء الإسلام حيث لم يعتنقوه اعتناقا صادقا، وآمنوا به إيمانا عميقا امتزج بدمهم ولحمهم، إلا في الكرة الثانية عشرة- كما يذكر ذلك ابن أبي زيد القيرواني- حينما تيقنوا أنه ليس له مثيل،