والبيان، فصاحبنا لا يعرف الملل، ولا يسأم الترحال المتواصل! ! فتراه يتجول بالباحث في عالم الفقه كلّه - مرة تلو الأخرى - منقبًا بعقله الوقاد في كل باب ودرب، عن الفروع الواردة، والمسائل الشاردة - التماسًا لراحتها من نقاش الفقهاء الحاد، وتشريحها بينهم من جديد! ! - حتَّى إذا ما عثر عليها قادها ليربطها بقاعدة ما - طوعا أو كرها - بسلاسل من الأدلة، وقد يضع عليها علامة الاستفهام، تارة يصرح، وأخرى يلمح إلى مصادرها، والقول الراجح فيها، وفي أغلب الأحيان يلتزم الصمت المطبق "ولست أدري أكان يتعمد ذلك ليختبر كفاءة وذكاء من يحأول تعقب أثره ليتركه يتيه في متاهات مظانها، متصفحا أمهات الفقه - الواحدة تلو الأخرى، أياما وربما أسابيع وشهورًا؟ أو أن طبيعة المسائل وتشتتها هي التي أرغمته أن يتجه هذا الاتجاه الصعب، المنهك للقوى والأعصاب؟ ! !
ورغم هذا كلُّه فلا أعتقد أن هذه المأخذ ستغض من قيمة الكتاب، وتنقص من محاسنه ومزاياه، ما دام قدم لنا ذخيرة فقهية هائلة، لا تقدر بثمن، وطبقها تطبيقا عمليا على القواعد والأصول، ولا يخفى ما للتطبيق العملي من أهمية قصوى، ومزايا لا تحصى - في عصرنا الحاضر وحتى لو لم يكن له من المحاسن إلا هاتان؛ لرجحتا على كل هفوة قيلت فيه، أو يمكن أن تقال، علاوة على أن الخطأ والنسيان، لا ينجو منهما أي إنسان مهما كان:
ومن ذا الَّذي ترضى سجاياه كلها .. كفى المرء نبلًا أن تعد معايبه.