كتاب فضل رب البرية في شرح الدرر البهية

كتاب الطهارة - (باب قضاء الحاجة) - ص: 27

وهذان الحديثان فيهما كلام، ولكن يشهد أحدهما للآخر.

وهذا مع حديث المغيرة في «الصحيحين»، «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بال عند سباطة قوم» (١)، والسباطة، هي المزبلة، وتكون قريبة من الناس.

وكذلك رآه ابن عمر على سطح بيت حفصة يقضي حاجته (٢).

فالظاهر أنه إذا أمن أن يراه أحد أو كان في كنيف فلا بأس أن يكون قريباً.

ثم قال - رحمه الله -: (وتركُ الكلامِ)

أي يجب على المُتخلّي عند قضاء الحاجة ترك الكلام، لما أخرجه أبو داود وغيره عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يخرُج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدّثان، فإن الله عز وجل يمقت على ذلك» (٣).

ولكنه حديث ضعيف مضطرب، وفيه راوٍ مجهول.

فإذا كان الحديث ضعيفاً ولا يوجد ما يدل على تحريم الكلام عند قضاء الحاجة غيره، فيبقى الأمر على الإباحة بناء على الأصل، فإن أصل هذه الأشياء الإباحة ولا يوجد ما يدل على خلافه.

ويكره ذكر الله ورد السلام، لأنه - صلى الله عليه وسلم - امتنع من رد السلام على رجل وهو يبول (٤).

ثم قال (والمُلابَسَةُ لما لهُ حُرْمَةٌ)

مثل المصحف أو الخاتم الذي عليه ذكر الله أو ما شابه ذلك، فلا يلبسه في يده أو في رقبته أو يضعه في مخبئه عند قضاء الحاجة، وذلك لحديث أنس الذي أخرجه أبو داود وغيره «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» (٥) أي نزعه.

---

(١) أخرجه البخاري (٢٢٤)، ومسلم (٢٧٣) عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه البخاري (١٤٨)، ومسلم (٢٦٦) عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -.
(٣) أخرجه أحمد (١٧/ ٤١٢)، وأبو داود (١٥)، وابن ماجه (٣٤٢) عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٤) أخرجه مسلم في «صحيحه» (٣٧٠) عن ابن عمر - رضي الله عنه -: «إن رجلاً مرّ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبول فسلّم، فلم يردّ عليه».

وأخرج (٣٦٩) من حديث أبي جهم قال: «أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جملٍ، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يردّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليه، حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه، ثم ردّ عليه السلام».
(٥) أخرجه أبو داود (١٩)، والترمذي (١٧٤٦)، والنسائي (٥٢١٣)، وابن ماجه (٣٠٣) عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، وقال أبو داود: هذا حديث منكر.