كتابُ الوَصِيَّةِ
الوصية مأخوذة من وَصَيْتُ الشيء بالشيء وصلته؛ لأنه وصل ما كان في حياته بما بعده. هذا أصلها اللغوي.
واصطلاحاً: تمليكٌ مضافٌ إلى ما بعد الموت.
كأن تقول سيارتي بعد موتي لفلان.
قال المؤلف رحمه الله: (تَجِبُ على مَن لهُ ما يُوصِي فيه)
فالوصية واجبة فقط على من له ما يوصي به من حقوق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه؛ إلا ووصيته مكتوبة عنده» (١) متفق عليه.
فهذا الحديث يدل على أن من له شيء يريد أن يوصي فيه وجبت عليه الوصية في ذلك.
قال النووي رحمه الله عند شرح الحديث المذكور: فيه الحثُّ على الوصية، وقد أجمع المسلمون على الأمر بها، لكن مذهبنا ومذهب الجماهير أنها مندوبة لا واجبة، وقال داود وغيره من أهل الظاهر هي واجبة لهذا الحديث، ولا دلالة لهم فيه فليس فيه تصريح بإيجابها، لكن إن كان على الإنسان دين أو حق أو عنده وديعة ونحوها؛ لزمه الإيصاء بذلك.
قال الشافعي رحمه الله: معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده، ويستحب تعجيلها، وأن يكتبها في صحته، ويشهد عليه فيها، ويكتب فيها ما يحتاج إليه، فإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه بها. انتهى كلام الشافعي.
قال النووي: قالوا: ولا يكلف أن يكتب كل يوم محقرات المعاملات وجزيئات الأمور المتكررة.
قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم ووصيته مكتوبة عنده فمعناه مكتوبة وقد أشهد عليه بها لا أنه يقتصر على الكتابة، بل لا يعمل بها ولا تنفع إلا إذا كان أشهد عليه بها، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال الإمام محمد بن نصر المروزي من أصحابنا يكفي الكتاب من غير إشهاد لظاهر الحديث. والله أعلم
ثم قال المؤلف رحمه الله): ولا تَصِحُّ: ضِراراً)
إذا كانت الوصية للإضرار بالغير فلا تصح؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن
(١) أخرجه البخاري (٢٧٣٨)، ومسلم (١٦٢٧).