وذهب الجمهور إلى أن المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء، وتأولوا الحديث لكونه ورد على خلاف القياس من وجهين: أحدهما: التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه، والثاني: تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها.
ويدل على نسخه حديث ابن عمر:«لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه»، رواه البخاري. انتهى.
وقوله: ولا يَغلَق الرهنُ بما فيه، معنى هذا: أنه لا يستحق الذي أخذ الرهنَ أن يأخذ الرهن كاملاً ويتملكه في حال عدم دفع صاحبه الدين في الوقت المحدد، مع أنه أغلى ثمناً من الدين، بل لو جاء بالدين بعد الوقت المحدد يرد له ماله، وإذا بيع ترد له الزيادة. هذا المعنى صحيح، ورد فيه حديث ضعيف:«لا يَغْلَق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه»(١).
قال الإمام مالك رحمه الله: وتفسير ذلك فيما نرى- والله أعلم-: أن يرهن الرجل الرهن عند الرجل بالشيء، وفي الرهن فضل عما رهن به، فيقول الراهن للمرتهن: إن جئتك بحقك إلى أجل يسميه له، وإلا فالرهن لك بما رهن فيه، قال: فهذا لا يصلح ولا يحل، وهذا الذي نهي عنه، وإن جاء صاحبه بالذي رهن به بعد الأجل؛ فهو له، وأرى هذا الشرط منفسخًا.
بابُ الوَدِيْعَةِ والعَارِيَّة
الوديعة، هي: أمانة تُركت عند الغير للحفظ قصداً. وهي التي يسميها الناس اليوم: أمانة.
والعاريَّة- بتشديد الياء، وتخفيفها- هي: تمليك منفعةٍ بلا بدل. يسميها الناس اليوم: استعارة.
التمليكات أربعة أنواع:
(١) أخرجه مالك في الموطأ (٢/ ٧٢٨)، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وابن ماجه في سننه (٢٤٤١) عن أبي هريرة موصولاً، وصوب الدارقطني وغيره المرسل.