للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن عباس - رضي الله عنه -: طعامه ميتته إلا ما قذِرتَ منها. علَّقهما البخاري رحمه الله في صحيحه (١). أثر عمر وصله سعيد بن منصور، والبخاري في التاريخ، وعبد بن حميد من طريق عمر بن أبي سلمة محتلف في الاحتجاج به، والخلاف فيه قوي والأثر عليه يدور.

وأما أثر ابن عباس فهو صحيح ورد عن ابن عباس بأكثر من إسناد.

وأخرج البخاري - مستدلاً على جواز أكل ميتة البحر- حديث جابر - رضي الله عنه - قال: غزونا في جيش على رأسنا أو أميرنا أبو عبيدة ابن الجراح، فجعنا جوعاً شديداً، فألقى البحر حوتاً ميتاً لم يُرَ مثله -من عظمه وكبره- يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، قال: فلما قدمنا المدينة أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: «هو رزقٌ أخرجه الله لكم، فهل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟ » قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله (٢).

هذا الحديث متفق عليه وهو حجة واضحة في جواز أكل ميتة البحر.

وجاء عن ابن عمر - رضي الله عنه - أيضاً أنه قال: أحلت لنا ميتتان ودمان: فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال (٣). أخرجه أحمد.

هذا الحديث يدل على حِلِّ ميتة البحر.

ويدل أيضاً على حِلِّ أكل الجراد وأنه لا ذكاة له، كما يدل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد (٤). متفق عليه.

ومَنْ ادعى أن حِلَّ أكل الجراد من غير تذكية على خلاف القياس فهو مخطئ، لأنه ليس في الشرع شيء جاء على خلاف القياس، هذه القاعدة فاسدة ردها ابن تيمية رحمه الله وردها ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين وعقد لها فصلاً وذكر الأدلة على ذلك، وبيَّن أن ما يقولون فيه بأنه على خلاف القياس يكونون قد توهموا فيه، وفي الغالب يكون قياسهم قياساً فاسداً مخالفاً للنصوص فيظنون أن العلة واحدة في حكمين فيقولون في أحد الحكمين إنه على خلاف القياس، وحقيقة تكون هناك مخالفة بين العلل ولكنهم لا يتنبهون لها.

مثل هذه الصورة مثلاً التسوية ما بين ما له دم سائل وما ليس له دم سائل خطأ قد فرَّق بينهما الشرع، فكيف نقول بعد ذلك إنه على خلاف القياس، هذا خطأ.

وأما الكبد والطحال فيدل على حلهما حديث ابن عمر المتقدم.

وأما الميتة للمضطر فدليلها قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة/١٧٣]، فأحلَّ أكل الميتة في حال الاضطرار وأجمع العلماء على تحريم الميتة حال الاختيار وعلى إباحة الأكل منها في الاضطرار، قاله ابن قدامة رحمه الله.


(١) علقه في صحيحه قبل حديث جابر برقم (٥٤٩٣).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٦٢)، ومسلم (١٩٣٥).
(٣) أخرجه أحمد (٥٧٢٣)، وابن ماجه (٣٣١٤).
(٤) أخرجه البخاري (٥٤٩٥)، ومسلم (١٩٥٢).

<<  <   >  >>