للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لحديث أنس عند مسلم وغيره: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث، قال: وقال: «إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا، وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ»، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ، قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمُ الْبَرَكَةُ» (١)، يعني إذا وقعت اللقمة من أحدكم فليزل عنها ما علق بها من أذى وليأكلها، ولا يدَعْها للشيطان، وأمرنا أن نسلت القصعة، السَّلت: المسح والتتبُّع، تتبُّع ما بقي من الطعام في القصعة.

وفي حديث ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا، فَلَا يَمْسَحْ يَدَهُ حَتَّى يَلْعَقَهَا أَوْ يُلْعِقَهَا» (٢) متفق عليه.

يلعقها يعني يمسح القصعة بأصابعه ويمتص الطعام الذي علق عليها أو أن يُلعقها لزوجةٍ مثلاً أو خادمة -أَمة- أو غير ذلك.

وفي حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: «إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة» (٣).

الصحفة أو القصعة أو الجَفنة هذه كلها أوانٍ تُتخذ توضع فيها الأطعمة إلا أن بعضها أكبر من بعض، فالقصعة أصغر من الصحفة، الصحفة تكفي خمسة والقصعة تطعم عشرة، الصحفة تكون أصغر من القصعة، المهم هي كلها أوانٍ لوضع الطعام فيها.

والمراد بلعق الصحفة: أخذ ما بقي بالأصابع وأكله عن الأصابع، مسح ما بقي فيها بالأصابع لا باللسان كما يفعل البعض، رأينا البعض يفعل ذلك ظانّاً أن هذا معنى اللعق فما فهم من اللعق إلا اللعق الذي تفعله الكلاب! هذا خطأ في الفهم، اللعق فيما يذكر أهل اللغة هو ما قاله ابن فارس في معجم مقاييس اللغة في مادة لعَقَ قال: اللام والعين والقاف أصلٌ يدل على لَسْبِ -أي قطْع- شيء بإصبعٍ أو غيره. انتهى

فإزالة الطعام من الصحفة أو من القصعة بالإصبع يسمى لعقاً، فاللعق يكون بهذه الطريقة لا باللحس باللسان فذاك من عمل الكلاب وقد نهينا عن التشبه بالحيوانات.

قال المؤلف: (والحمدُ للهِ عندَ الفراغِ، والدُّعاءُ)

الحمد عند الفراغ وكذلك الدعاء من آداب الأكل وردت به السنة في الصحيح، وأصح لفظ ورد في ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي أمامة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: «الحمدُ للهِ كثيرًا طَيّبًا مُبَاركًا فيه، غَيرَ مَكفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُستَغنًى عنه، ربَّنا» (٤) يقال: ربُّنا، على خلافٍ في ضبط هذه الكلمة بضم الباء أم بفتحها.

وفي رواية له: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَأَرْوَانَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مَكْفُورٍ» وَقَالَ مَرَّةً: «الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّنَا، غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى، رَبَّنَا» (٥).


(١) أخرجه مسلم (٢٠٣٤).
(٢) أخرجه البخاري (٥٤٥٦)، ومسلم (٢٠٣١).
(٣) أخرجه مسلم (٢٠٣٣).
(٤) أخرجه البخاري (٥٤٥٨).
(٥) أخرجه البخاري (٥٤٥٩).

<<  <   >  >>