للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمرأ: أي أجمل انسياغاً أي سهولة.

وهذا مستحب وليس بواجب؛ لعدم الأمر به وللتعليل المذكور أيضاً.

وجاء في حديث أيضاً عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رجلاً قَالَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: فَإِنِّي لَا أَرْوَى مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: «فَأَبِنِ القَدَحَ إِذَنْ عَنْ فِيكَ» فلم ينكرعليه النبي - صلى الله عليه وسلم - (١).

لكن إذا أراد الشخص أن يتنفس يزيل الإناء ولا يتنفس في الإناء لأننا نهينا عن التنفس في الإناء، وأما إذا لم يرد التنفس أثناء الشرب وشرب مرة واحدة؛ فله ذلك.

قال: (وباليمين) هذا واجب لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب بالشمال فقال: «لا يأكلن أحد منكم بشماله، ولا يشربن بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها» (٢)

وقال المؤلف: (ومن قعودٍ) أي يشرب جالساً لا قائماً، هذا مستحب على الصحيح، والنهي الوارد عن الشرب قائماً للكراهة.

فقد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شرب قائماً (٣).

والجمع بين الأدلة التي ورد فيها النهي وبين فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يُحمل النهي على الكراهة لا على التحريم، وبهذه الطريقة نكون قد جمعنا بين الأدلة وأعملنا الأدلة كلها، أما من يرجح الحظر على الإباحة، ومن يرجح القول على الفعل؛ فهذا قد أعمل أحد الدليلين وأبطل الدليل الآخر.

وأنتم إذا تأملتم فعل الصحابة لا تجدونهم يسيرون على هذه الطريقة، إنما هي طريقة اشتهرت عند الأصوليين.

أما عند الصحابة فليسوا على ذلك، فتجد أن بعض الصحابة قد ورد عنده الأمر أو النهي وورد عنده فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي يخالف ذلك؛ فيجمع بينها كما فعل عبد الله بن عمر في النهي عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة قال: ذاك في البنيان وهذا في الصحراء، فجمع بينهما، مع أنه قد ورد فيه نهي وعارضه فعل، فلم يقل ما قاله بعض الأصوليين من أنه يقدَّم الحاظر على المبيح، أو يقدم القول على الفعل، ليست هذه طريقة الصحابة في الجمع بين الأحاديث، لا يهملون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، بل يجمعون بينها إذا تيسر لهم ذلك، وإذا لم يتيسر تجد السلف يميلون إلى الترجيح بالقوة، فيقدمون الأقوى ويؤخرون الأضعف.

هكذا تجد طريقة السلف في تعاملهم مع الأحاديث ولا يتكلفون التكلفات التي يتكلفها بعض الأصوليين في بعض المسائل.

ثم قال: (وتقديم الأيمن فالأيمن) تقديم الأيمن فالأيمن أي إذا شرب الشخص فليناول من هو عن يمينه أولاً، أو إذا أراد أن يقدم للجلوس طعاماً أو شراباً يبدأ بالأيمن.

هذا ما يريده المؤلف رحمه الله.


(١) أخرجه أحمد (١١٥٤١)، والترمذي (١٨٨٧).
(٢) أخرجه مسلم (٢٠٢٠) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(٣) أخرجه البخاري (٥٦١٥)، من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>