للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخير وإِرشادهم إِلى الهُدى، والمُؤمن القوي الذي قوِيَ في إِيمَانه وصَلُب في إِيقانه بحَيث لا يرى الأَسباب، ووثق بمسبِّب الأَسبابِ، والمؤمِن الضَّعيف بخلافه وهو أَدنى مراتب الإِيمان، القوّة هنا يرادُ بها عزيمةُ النَّفس في أُمور الآخرةِ، فيكون صاحبُ هذا أَكثر إِقداما على الغزو والجهادِ، وأَسرعَ خُروجا وذهابا في طلبه وأَشدَّ عزيمة في الأَمر بالمعرُوف والنَّهي عن المنكر والصَّبر على الأَذى في كلِّ ذلك، وقولهُ: "فِي كُلٍّ خَيْرٌ"، معناه في كل منَ القويِّ والضَّعيف خير لاشتراكهمَا في الإِيمَانِ، مع ما يأتي به الضعيفُ مِنَ العباداتِ "احرِص": أي كُن حريصا "عَلَى مَا يَنفَعُكَ" أَي: مِنْ أُمور الدِّين، "وَاستَعِن بِاللهِ" أَي: على فعلك فإِنهُ لا حَول ولا قُوَّة إِلا بالله "ولا تعجز"أَي: ولا تعجز عن الحرصِ والاستعانة، فإِنَّ اللهَ سُبحانهُ وتعالى قادرٌ على أَن يُعطيكَ قوَّة على طاعته إِذا استقمت على استعانته، وقيل: معناه لا تَعجز عن العملِ بما أُمرت، ولا تترُكهُ مُقتصرا على الاستعانة به، فإِن كمال الإِيمان أَن يُجمع بينهُما.

"وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ" أَي: مِن أَمر دينك أَو دُنياك "فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ" أَي: كذا وكذا "كان" أَي: لَصار "كَذَا وَكَذَا": فإِنَّ هذا القول غَيرُ سديد، ومع هذا غير مفيد، قال تعالى: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١)} [التوبة: ٥١]، وقد قال تعالى: {لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٥٣)} [آل. عمران: ١٥٣]، "وَلَكِنْ قُلْ" أَي: بلسان القال أَو لسان الحَال. "قَدَّرَ اللهُ" أَي: وقع ذلك بمُقتضى قضائه وعلى وفق قدره، "وَمَا شَاءَ" أَيِ: اللهُ فِعْلَهُ، "فَعَلَ": فإِنه فَعَّالٌ لما يُريد ولا رادَّ لقَضائه ولا مُعقِّب لحكمه، "فَإِنَّ لَوْ" أَي: كلمة الشَّرط أَو إِن "تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ". (١)

من فقه الحديث

أ. قوة العزيمة والايمان خير من قوة الاجسام.

ب. العاجز من استسلم لهواه وابتعد عن أمر الله.

ج. الإيمان والتسليم بقضاء الله يحميك من جلد الذات.

[٥. القرب من الله بسلامة الجوهر لا بسلامة المظهر.]

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، - رضي الله عنه -، أَنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: (رُبَّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ تَنْبُو عَنْهُ أَعْيَنُ النَّاسِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ). (٢)

قال ابن عثيمين: " وشعره أشعث: يعني ليس له ما يدهن به الشعر، ولا ما يرجله، وليس يهتم بمظهره، وأغبر: يعني أغبر اللون، أغبر الثياب، وذلك لشدة فقره، مدفوع بالأبواب: يعني ليس


(١) - انظر؛ القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج ٨، ص ٣٣١٨.
(٢) - الحاكم، المستدرك على الصحيحين، كتاب الرقاق، ج ٤، ص ٣٦٤. حديث رقم ٧٩٣٢، التعليق من تلخيص الذهبي حديث صحيح ص ٣٦٤.