للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥. الصبر والرضا علامة التسليم.

عن انس - رضي الله عنه - قال: قال النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ). (١)

قال ابن رجب: فهاتان درجتان للمُؤمن بالقضاءِ والقدَرِ في المصائبِ:

أَحدُهُما: أَن يرضى بذلك، وهي درجة عالية رفيعة جدا، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١)} [التغابن: ١١]، هي المصيبةُ تُصيبُ الرَّجل، فيعلمُ أَنها من عند اللهِ، فَيُسلِّم لها ويرضى.

فالحياةُ الطيِّبةُ: هي الرِّضا والقناعةُ، فالرِّضا بابُ اللهِ الأَعظَم وجنَّةُ الدنيا ومستراح العابدين.

أما الدرجةُ الثانيةُ: أَن يَصبرَ على البلاءِ، وهذهِ لِمَن لَم يستطع الرِّضا بالقضاء، فالرِّضا فضلٌ مندُوبٌ إِليه، والصَّبرُ واجبٌ على المُؤمن حَتم، وفي الصَّبرِ خَير كثير، فإِن اللهَ أَمر به، ووعد عليه جزيل الأَجر، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: { ... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (١)} [الزمر: ١٠]، وَقَالَ: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (١٥٧)} [البقرة: ١٥٧].

والفرقُ بَينَ الرِّضا وَالصَّبرِ: أَن الصَّبرَ كَفُّ النَّفس وحبسُها عن التَّسخُّط مع وُجود الأَلم، وتمني زوال ذلك، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع، والرضا: انشراحُ الصَّدر وسعتُهُ بالقضاءِ، وتركُ تمنِّي زوال ذلك المُؤلِم، وإِنْ وُجِدَ الإِحساسُ بالأَلمِ، لكنَّ الرِّضا يُخفِّفُه لِمَا يُباشرُ القلبَ مِنْ روح اليقين والمَعرِفةِ، وإِذا قَوِيَ الرِّضا، فقد يُزيلُ الإِحساسَ بالأَلمِ بالكُلِّيَّة. (٢)

من فقه الحديث:

أ. بالصبر على البلاء تكفر السيئات وترفع الدرجات.

ب. من الأمور الدالة على محبة الله الإبتلاء.

ج. اصبر ولا تجزع فقضاء الله نافذ.

٦. الابتلاء بالأجسام من علامات قوة الايمان.

عن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (قُلْتُ يَا رسول الله: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: الأَنبياءُ ثُمّ الأَمثَلُ فَالأَمثلُ، فَيُبتلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ، فَإِن كَان دِينُهُ صُلبًا اشتَدَّ بلاؤُهُ، وإِن


(١) - الترمذي، سنن الترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ج ٤، ص ٦٠١، حديث رقم ٢٣٩٦. "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ".
(٢) - انظر؛ ابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ج ١، ص ٤٨٦ - ٤٨٨.