للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• المطلب الرابع: حقهم في التعلم والتعليم

إن من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، التي جاءت في القرآن الكريم حق التعلم والتعليم بالمفهوم الواسع، الذي يبدأ بالعلم الشرعي، وينتقل الى بقية العلوم التي يحتاجها الإنسان، فأول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)} [العلق: ٥]، فالعلم في التصور القرآني، لم يقتصر على مجال معين، وإنما اتسع باتساع آفاق الكون المختلفة، وحق ذوي الاحتياجات الخاصة في التعلم أُكِّد في القرآن الكريم. (فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين، فجعل رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه ويقبل على الآخر فيقول له: أترى بما أقول بأسا، فيقول: لا، فنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى*}). (١)

وفي هذا الموقف كان ابن أم مكتوم حريصاً على التعلم من رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ليزكي نفسه قال تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١)} [عبس: ١١]، قال ابن كثير: أَيْ: هذه السُّورةُ، توصي بالمساواة بينَ النَّاسِ فِي إبلاغ العلم بين شرِيفهم وضعيفهم (٢).

فمن حق ذوي الاحتياجات الخاصة، أن تُهيأ لهم الأسباب والظروف المناسبة، لكي ينالوا حقهم في التعلم والتعليم وينالوا المكانة العالية التي قال الله عنها: { ... يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١)} [المجادلة: ١١]، فينفعوا أنفسهم وينفعوا أمتهم، فكم من الأَئِمة والعلماء الذين نفع الله بهم خلقا كثيرا هم من ذوي الاحتياجات الخاصة، فمن هؤلاء: أبو عبد الرحمن السُّلَمي مُقرئ الكوفة الذي كان أعمى وُلِد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وعَرضَ القراءة على عثمان وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وغيرهم، وحدَّث عن عمر وعثمان رضي الله عنهما. وأخذ عنه القراءة عَرضَا خلق كثير منهم الحسن والحسين رضي الله عنهما، وعاصم بن أبي النجود. أَقرأ الناس في المسجد الأعظم أربعين سنة، وكان إماما في المسجد، قال أبو حصين: كنا نذهب بأبي عبد الرحمن من مجلسه وكان أعمى. كان ثقة، كبير القدر، وحديثه مخرج في الكتب الستة، توفي في سنة ٧٣ أو ٧٤ من الهجرة رحمه الله. (٣) ومنهم عبد الرحمن بن هرمز الأعرج الذي أخذ القراءة عَرْضَاً عن أبي هريرة، وكان يكتب المصاحف، وكان الأعرج أحد من برز في القرآن والسنة، قالوا هو أول من وضع العربية بالمدينة، أخذ عن أبي الأسود، وله خبرة بأنساب قريش،


(١) - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن ابن بكر السيوطي، لباب النقول في أسباب النزول، اخرجه الترمذي، سنن الترمذي، ابواب تفسير القرآن، باب ومن سورة عبس، ج ٥، ص ٤٣٢، حديث رقم: ٣٣٣١، حكم الألباني صحيح الاسناد.
ص ٢٧٧.
(٢) - انظر؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج ٨، ص ٣٢٢.
(٣) - انظر؛ الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، (توفي: ٧٤٨ هـ)، ، معرفة القراء الكبار، بيروت، دار الكتب العلمية، ط ١، ١٩٩٧ م، ص ٢٧ - ٣٠.