للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله: {وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا}، الظهري: الشيء الذي تنساه وتغفل عنه، قال ابن عباس: يريد ألقيتموه خلف ظهوركم وامتنعتم من قتلي مخافة قومي والله أعز وأكبر من جميع خلقه. {إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} عالم بأعمالكم وهو يجازيكم بها، { ... وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣)} [هود: ٩٣]، قال إبن عباس: ارتقبوا العذاب إني مرتقب من الله الرحمة والثواب.

قوله: { ... وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ... } [هود: ٩٤]، صاح بهم جبريل صيحة فماتوا في أمكنتهم، {كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)} [هود: ٩٥]، {أَلا بُعْدًا لِمَدْيَنَ} أي: بعدوا من رحمة الله {كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ}. (١)

فها هو شعيب عليه السلام يُكلَّف بالتبليغ والإصلاح والدعوة الى الله وهو ضرير، ففي هذه المواقف رسالة لذوي الاحتياجات الخاصة ألا يكون ما أصابهم مانعا لهم من أن يكونوا عاملين فاعلين في مجتمعاتهم، فكم من صاحب بلاء كان قدوة لأهل العافية في علو همته وقوة عزيمته.

ومن هؤلاء الشيخ عبد الحميد كشك، الذي ولد بمصر عام ١٩٣٣ م، وفقد نعمة البصر بسبب المرض وكان عمره (١٧) سنة، حفظ القرآن ولم يبلغ الثامنة من عمره، حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية وشهادة كلية أصول الدين بتفوق.

عمل إماما وخطيبا في عدة مساجد ما بين الأعوام ١٩٦٠ م-١٩٨٢ م، وكان خطيبا مفوها لقب بفارس المنبر، كان جريئا بالحق لا يخشى في الله لومة لائم، تعرض بعد ذلك للإعتقال والتعذيب والتنكيل عدة مرات وفصل من وظيفته، تفرغ للتأليف مابين عام ١٩٨٢ م وحتى عام ١٩٩٤ م، بلغت مؤلفاته (١١٥) مؤلف، له تفسير كامل للقرآن بعنوان (في رحاب القرآن) له (٢٠٠٠) شريط كاسيت و ٤٢٥ خطبة، له ثمانية أولاد، أربعة من الذكور وأربعة من الإناث، عمل على تحفيظهم القرآن كاملا بنفسه، يقول أحد أبنائه: هل تعلم أن والدي لم يضرب أحدا منا طوال حياته قط، لقي ربه وهو ساجد قبيل صلاة الجمعة في ٦/ ١٢/١٩٩٦ م، وهو في (٦٣) من عمره (٢).

فها نحن نرى كثيراً ممن فقدوا أبصارهم ينيرون الطريق لكثير من المبصرين، وبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.

• المطلب الرابع: موقف موسى عليه السلام وصبره على الإبتلاء بعقدة اللسان:

لقد ابتلى الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام بعقدة في لسانه، فقال تعالى: -على لسان موسى عليه السلام- {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (٢٧)} [طه: ٢٧]، جاء في تفسير الطبري: " أي


(١) - انظر؛ الواحدي، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، ج ٢، ص ٥٨٧.
(٢) - انظر؛ منتديات الأمل العربي http://ahpwd.com/vb/showthread.php? t=٢٥٩٣
- وانظر؛ شريط كاست (حديث الذكريات، تسجيلات احد الإسلامية، السعودية، الشريط ١.