للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمكيال والميزان، قاال لهم كما جاء في قوله تعالى: { ... قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ... } [الاعراف: ٨٥]، أَي بيان، وهو مجيء شعيب عليه السلام بالرسالة، ولم يُذكر له معجزة في القرآن، قال لهم: { ... وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٨٥)} [الاعراف: ٨٥]، البخس النقص، وهو يكون في السلعة بِالتعييب والتزهيد فيها، أَو المخادعة عن القيمة، والاحتيال في التزيد في الكيل والنقصان منه، وكل ذلك من أَكل المال بالباطل، وذلك منهي عنه في الأمم المتقدمة والسالفة على أَلسنة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم جميعهم، ثم قال لهم: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها}، عطف على ولا تبخسوا، وهو لفظ يعم دقيق الفساد وجليله، قال ابن عباسٍ: كانت الأَرض قبل أَن يبعث الله شعيبا رسولا، يُعمل فيها بالمعاصي وتُستحل فيها المحارم وتُسفك فيها الدماء، فذلك فسادها، فلما بعث الله شعيباً ودعاهم إِلى الله صلحت الأَرض. وناداهم قائلا: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)} [الاعراف: ٨٦]، نهاهم عن القعود بالطرق والصد عن الطريق الذي يؤدي إِلى طاعة الله، وكانوا يوعِدُون العذاب مَنْ آمنَ (١).

فبعد اصرارهم على فسادهم، ومعاداتهم لنبيهم، أخذوا يسخرون من شعيب ويتوعدونه بالقتل، ويقولون بأن الذي يمنعهم من ايقاع ما يعدون به مكانته في عشيرته، إلا أن الله عز وجل هو الحامي والمؤيد له.

قال الواحدي: فلما حذرهم شعيب عليه السلام من العذاب الذي سينزل بهم ان لم يمتثلوا امر الله ورسوله، كما نزل بالاقوام الذين من قبلهم، {قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (٩١)} [هود: ٩١]، ما نفقه صحة كثير مما تقول، يعنون من التوحيد والبعث وما يأمرهم به من الزكاة وترك البخس {وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا} أي أعمى. وفي لغة حمير تسمي الضرير ضعيفا، لأنه ضعف بذهاب بصره،

قوله: ولولا رهطك: عشيرتك وقومك لرجمناك قتلناك، والرجم من شر القتلات، وكان رهط شعيب من أهل ملتهم، فلذلك أظهروا إليهم.

{وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} أي: لست بممتنع علينا من أن نقتلك لولا ما نراعي من حق عشيرتك، {قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢)} [هود: ٩٢].

{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ الله}، يقول: أنتم تزعمون أنكم تتركون قتلي إكراما لرهطي، والله عز وجل أولى بأن يتبع أمره، كأنه يقول: حِفظكم إياي في الله أولى منه في رهطي.


(١) - انظر؛ القرطبي، الجامع لاحكام القرآن، ج ٧، ص ٢٤٩.