للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[المقدمة]

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله مسبب الأسباب وخالق الإنسان من تراب، الحمد لله الحكيم العليم الذي بدأ خلق الإنسان من طين، وصوره وهو في قرار مكين، ونفخ فيه من روحه فكرمه أحسن تكريم، ثم جعل خلقه في أحسن تقويم، الحمد لله الذي جعل التفاضل بين الناس بناء على التقوى والإيمان، لا على الأشكال والألوان، والصلاة والسلام على خير الأنام ... محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آل بيته الكرام وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان، أما بعد:

فقد اهتم الإسلام بكل فئات المجتمع، ولا سيما ذوو الاحتياجات الخاصة الذين أولاهم عناية خاصة فحث المسلمين على الرعاية الكاملة لهم، وعليه جاءت الآيات الكريمة في كتاب الله تعالى، والأحاديث النبوية، لتؤكد للجميع أن الله تعالى يحث على نصرة الضعيف وإعانته قدر الاستطاعة، قال تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٩١)} [التوبة: ٩١]

وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بين أن هؤلاء الضعفاء سببٌ من أسباب النصر والرزق، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ابغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم). (١)

فلقد بلغت رعاية الإسلام لذوي الاحتياجات الخاصة حداً بالغاً من السمو والرفعة، ولا أدل على ذلك من قصة الصحابي الجليل ابن أم مكتوم الذي نزلت من أجله آيات كريمة:

{عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)} [عبس: ٦]، ففي هذه الآيات عاتب الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وهو أفضل خلقه، والنموذج الفريد في الرحمة والتعاطف والإنسانية، وهي السمات التي أكدها القرآن الكريم بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].

ومنذ ذلك التاريخ وتقدير واحترام ذوي الاحتياجات الخاصة توجه إسلامي، وقيمة دينية كبرى حظي في ظلالها هؤلاء الضعفاء بكل مساندة ودعم وتقدير، حتى وصل بعضهم إلى درجات كبيرة من العلم والمجد والنبوغ.

ومن خلال تتبعي لآيات الذكر الحكيم، والأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بهذا الموضوع تبين لي حقائق مهمة، وضوابط للتصورات والقيم لا غنى للمسلم المعاصر عنها، وهو يعيش ويعايش مجتمعا أعمى أنظاره عن مسؤولياته تجاه هذه الفئة من المجتمع.


(١) - أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، سنن أبي داود، (توفي: ٢٧٥ هـ)، ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت- صيدا، المكتبة العصرية، كتاب الجهاد، باب في الانتصار برذل الخيل والضعفة، ج ٣، ص ٣٢، حديث رقم: ٢٥٩٤، حكم الألباني صحيح.