للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥)} [النساء: ٩٥]). (١)

فهذا الموقف من ابن ام مكتوم كان سببا بإكرام ذوي الاحتياجات الخاصة بجعلهم كالمجاهدين في سبيل الله تقديرا لضعفهم، فهمة عالية أبية، وقوة فَتِيَّه، لنفس زكية، تصنع الكثير وإن كان صاحبها ضريراً، وهكذا كان ابن أم مكتوم - رضي الله عنه -.

• المطلب الثامن: موقف ثابت بن قيس وصبره على الإبتلاء بالصمم:

هو ثابت بن قيس بن شماس الأَنصاريُّ أَبو مُحمد، خطيب الأَنصار ويقال له أيضا خطيب النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -، شهد أحدا وما بعدها، كان في أذنه صمم، وقد ثبت عن الرسول عليه السلام أنه بشَّره بالشَّهادة، فقُتِل يوم اليمامة شهيدا، وكانت راية الأَنصار يومئذ بيده (٢).

وعنما نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)} [الحجرات: ٢]. خشي انها تنطبف عليه فجلس في بيته حزينا يلوم نفسه،

جاء في تفسير الطبري في تأويل الآية: لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا: يا محمد، يا محمد، يا نبيّ الله، يا نبيّ الله، يا رسول الله.

عن شمر بن عطية، قال: جاء ثابت بن قيس بن الشماس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محزون، فقال: يا ثابت ما الذي أرى بك؟ فقال: آية قرأتها الليلة، فأخشى أن يكون قد حَبِط عملي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، وكان في أُذنه صمم، فقال: يا نبيّ الله أخشى أن أكون قد رفعت صوتي، وجهرت لك بالقول، وأن أكون قد حبط عملي، وأنا لا أشعر: فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: امْشِ على الأرْضِ نَشِيطا فإنَّكَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ. (٣)

و"عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، إِلَى آخر الآية، جلس ثابت بن قيسٍ في بيته، وقال: أَنا من أَهل النار، واحتبس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأَل النبي - صلى الله عليه وسلم - سعد بن معاذ، فقال: يا أَبا عمرو، ما شأن ثابت؟ اشتَكى؟ قال سعد: إِنه لجارِي، وما علمت له بشكوى، قال: فأَتاه سعد، فذكر له قول - صلى الله عليه وسلم -، فقال ثابت: أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أَني من أَرفعكم صوتا على رسول للهِ - صلى الله عليه وسلم -، فأَنا من أَهل النار، فذكر ذلك سعد للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بَل هو من أَهْل الجنَّة". (٤)


(١) - البخاري، صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ}، ج ٦، ص ٤٨، حديث رقم ٤٥٦٤.
(٢) - انظر؛ ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، (توفي: ٧٧٤ هـ)، البداية والنهاية، دار الفكر، ١٤٠٧ هـ-١٩٨٦ م، ج ٦، ص ٣٣٤.
(٣) - انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ٢٢، ص ٢٧٧ - ٢٧٩.
(٤) - مسلم، صحيح مسلم، كتاب الْإِيمان، باب مخافَة الْمؤمن أَن يحبطَ عمله، ج ١، ص ١١٠، حديث رقم ١١٩.