للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحنَة لِمَا كان فيه مِن فاقة وحاجة وبلية "فِي الدُّنْيَا" "مِنْ أَهلِ الجَنَّةِ" مآلًا "فَيُصبغُ صَبغةً في الجنَّة"، أَي في أَنهارها أَو الكوثر منها، "فيقال له: يا ابن آدم، هل رأَيتَ بُؤسًا قَطُّ؟ وهل مَرَّ بك شِدَّةٌ قطُّ؟ فيقولُ: لا والله يا ربِّ، ما مَرَّ بي بُؤسٌ قطُّ، ولا رأَيتُ شِدَّةً قطُّ"، يقول هذا الكلام لفرحه التام. (١)

من فقه الحديث:

أ. أنظر فِي الْمَآل لَا فِي عَاجل الْحَال.

ب. بلاء الدنيا ينسى بغمسة واحدة في الجنة، وعذاب الآخرة ينسي كل نعيم في الدنيا.

في نهاية هذا المطلب، نرى كم بلغ حب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقديره لذوي الاحتياجات الخاصة، فقد احتضنهم ورعاهم ووفر لهم الأمان، النفسي والمادي والمجتمعي، فجعلهم جزءا أصيلا من المجتمع، فهو لا يرضى لهم الانطواء ولا يحب لهم الانزواء، فمن كان قادرا من ذوي الاحتياجات الخاصة على الذهاب والإياب أو المشاركة في أي أمر إيجابي فليبق حاضرا في المجتمع فاعلا في مؤسساته، وهذا يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعمل على تأهيل وتدريب ذوي الاحتياجات الخاصة حتى يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع.

• المطلب الرابع: البلاء يكشف عن معادن الرجال.

يبتلي الله عز وجل الإنسان ويختبره في هذه الحياة، إما لرفع درجات أو تكفير سيئات أو دفع مصيبات، وكلما زاد إيمان العبد وصلاحه زيد في بلائه، وقد بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث كثيرة أن العبد إذا خرج من البلاء صابرا محتسبا، كان معدنه كالذهب، وكوفئ بالأجر العظيم وبجنة النعيم، وأما الإنسان الذي يجزع عند البلاء، ويتسخط ولا يرضى بقضاء الله، فهذا مفتون محروم.

قال المحاسبي: "الصبر في ثلاثة أشياء لا يتم إلا به: الصبر عن محارم الله، والصبر على إتِّباع أمر الله، والصبر عند المصائب احتسابا لله". (٢)

ومما ورد في السنة عن هذا الأمر:

١. المسلم يجرب بالبلاء:

عَنْ أَبِي أُمَامَة - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ اللهَ لَيُجَرِّبُ أَحَدَكُم بالبَلاءِ وهو أَعلم به، كما يُجَرِّبُ أَحدُكُم ذَهبَهُ بالنَّار، فَمنهُم مَنْ يَخرُجُ كالذَّهبِ الإِبريزِ فَذلكَ الذي نَجَّاهُ اللهُ تعالى مِنَ


(١) - انظر؛ القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج ٩، ص ٣٦١٤.
(٢) - المحاسبي، أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي البصري، رسالة المسترشدين، حلب، مكتبة المطبوعات الإسلامية ودار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ط ٢، ١٩٧١ م، ص ١٧٠.