للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في موقف ثابت وقصته درس وعظه، فثابت وجد في نفسه حرجاً مما نزل من القرآن الكريم، فجلس في بيته حزينا يلوم نفسه، لذا لا بد أن يُعلم أن بعض ذوي الاحتياجات الخاصة من ذوي الشخصيات الحساسة، فلا بد من معرفة هذا الأمر لمراعاتهم عند التعامل معهم.

• المطلب التاسع: موقف معاذُ بْن جَبَلِ وصبره على الإبتلاء بالعرج:

معاذ بن جبل صحابي جليل، شهد العقبة مع السبعين من الأَنْصَار، وشهد بدرا وعمره عشرون عاماً أو واحد وعشرون عاماً، كما شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بَعثهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِلى اليمن مُعلِّما، وكان رجلا أَعرجَ، فصلى بالنَّاس في اليمن فبسط رجله فبسط القومُ أَرجُلهُم، فلما صلى قال: قد أَحسنتُم ولكن لا تعودوا فإِني إِنما بسطت رجلي في الصلاة لأَني اشتكيتُها، توفي في طاعون عمواس بالشَّام بناحية الأُردن، سنة ثماني عشرة في خلافة عُمر بن الخطاب (١).

تميز في علم الحلال والحرام، حتى امتدحه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَرْحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ، وَأَصْدَقُهَا حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَعْلَمُهَا بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ." (٢)

وقد سجل القرآن موقفه حينما حاول اليهود أن يصدوه عن الإسلام إلا أنه ثبت أمام هذا التحدي قال تعالى: {وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٦٩)} [آل. عمران: ٦٩].

قال البغوي، في قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}، نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمانِ وعمَّار بن ياسر، حين دعاهم اليهود إِلى دينهم، فنزلت {وَدَّتْ طَائِفَةٌ} تَمَنَّتْ جماعة من أَهل الكتاب، يعني اليهود {لَوْ يُضِلُّونَكُمْ} عن دينكم ويردونكم إِلى الكفر، {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (٣).

ففي موقف معاذ وقصته درس وعظة، وهو أن معاذاً - رضي الله عنهم - كان فقيها عالما معلما لأهل اليمن بالرغم من اصابته بالعرج، وكذلك كثير من ذوي الاحتياجات الخاصة مؤهلين للتعلم والتعليم.


(١) - انظر؛ ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي، (توفي: ٢٣٠ هـ)، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٠ هـ-١٩٩٠ م، ج ٣، ص ٤٣٨ - ٤٤٣.
(٢) - أحمد بن حنبل، مسند أحمد، مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، ج ٢٠، ص ٢٥٢، حديث رقم ١٢٩٠٤، حكم الارنؤوط اسناده صحيح.
(٣) - انظر؛ البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن، ج ٢، ص ٥٣.