للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أخبر جل ثناؤه، عمن خرج مهاجرًا من أرض الشرك، فارًّا بدينه إلى الله وإلى رسوله، إن أدركته منيَّته قبل بلوغه أرضَ الإسلام ودارَ الهجرة، فقال: من كان كذلك فقد وقع أجرُه على الله، وذلك ثوابُ عمله وجزاءُ هجرته وفراق وطنه وعشيرته إلى دار الإسلام وأهل دينه.

يقول جل ثناؤه: ومن يخرج مهاجرًا من داره إلى الله وإلى رسوله، فقد استوجب ثواب هجرته إن لم يبلغ دارَ هجرته باخترام المنية إيّاه قبل بلوغه إياها على ربه، وهذا ما حدث مع ضمرة بن العيص الذي كان مصاب البصر فقال: " إنيّ لذو حيلة، لي مال، ولي رقيق، فاحملوني"، فخرج وهو مريض، فأدركه الموت عند التنعيم، فدفن عند مسجد التنعيم، فنزلت فيه هذه الآية: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدرِكهُ الموت}، الآية، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، يقول: ولم يزل الله تعالى ذكره، {غَفُورًا} يعني: ساترًا ذنوب عبادهِ المؤمنين بالعفو لهم عن العقوبة عليها {رَحِيمًا}، بهم رفيقًا (١).

ففي قصة ضمرة دروس وعبر، منها: بالرغم من ضعف جسد ضمرة إلّا أن همته عالية وإرادته قوية تقهر الصعاب، فهذه سمة لكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة، فاستثمار طاقاتهم يعود عليهم وعلى أمتهم بالخير العظيم، فكم من طاقات هدرت وإمكانات ضاعت، والسبب عدم معرفة صفاتهم التي يتمتعون بها.

• المطلب السادس: موقف عمرو بن الجموح وصبره على الإبتلاء بالعرج.

عَمْرو بْن الجموح من بني سلمة، صحابي شهد العقبة، اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليكون سيد قومه (٢). عن ابن إِسحاق، قال: حدثَني والدي إِسحاقُ بن يسارٍ، عن أَشياخٍ مِنْ بني سلمة، قالوا: (كانَ عَمرو بنُ الجموح أَعرج شديد العرَجِ، وكان له أَربعةُ بنينَ شبابٌ يَغزون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إِذا غزا، فلما أَراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتوجهُ إِلى أُحدٍ، قال له بنوهُ: إِن اللهَ عز وجلَّ قد جعل لك رخصة فلو قَعَدْتَ فنحن نكفيك فقدْ وضع الله عنك الجهاد. فأتى عمرو بنُ الجموحِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، إِن بنِيّ هؤلاء يمنَعونني أَن أَخرج معكَ، والله إِني لأرجو أَن أستشهد فأطأَ بعرجتي هذه في الجنةِ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أَما أنت فقد وضع اللهُ عنك الجهاد ". وقال لبنيه: " وما عليكم أن تَدَعوه لعل الله يرزقهُ الشهادةَ ". فخرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقتل يوم أُحد شهيدا) (٣).

وقد سجل الله عز وجل في القرآن الكريم موقف عمرو بن الجموح، حينما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أين ينفق ماله وأين يضعه، فانزل الله تعالى قرآناً فيه جواب لما سأل.


(١) - انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ٩، ص ١١٢ - ١١٨.
(٢) -انظر؛ ابن الأثير، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد، (توفي: ٦٣٠ هـ)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، ط ٥، ١٩٩٤ م، ج ٤، ص ١٩٤.
(٣) - البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخراساني، (توفي: ٤٥٨ هـ) السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت - لبنان، دار الكتب العلمية، ط ٣، ١٤٢٤ هـ-٢٠٠٣ م، كتاب السير، باب مَنِ اعتذر بالضّعف والْمرضِ والزّمَانة والعذر في ترك الْجهَادِ، ج ٩، ص ٤٢، حديث رقم: ١٧٨٢١.