للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• المطلب الثاني: حقهم في الكرامة الانسانية.

إن تكريم الله عز وجل للإنسان يشمل ذوي الاحتياجات الخاصة وأهل العافية على حد سواء، فهم متساوون في هذه الكرامة.

وإن ما يعانيه ذوو الاحتياجات الخاصة لا يُنقص من كرامتهم ولا يحط من قيمتهم في الحياة، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)} [الاسراء: ٧٠]، قال ابن الجوزي في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ} أي: فضَّلناهم، و {كرَّمنا} أشد مبالغة من {أكرمنا}، وأما قوله: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}، أي فُضِّلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة: جبريل، وميكائيل، وإِسرافيل، ومَلَك الموت، وأشباههم، فعلى هذا يكون المراد: المؤمنين منهم، ويكون تفضيلهم بالإِيمان، وفُضِّلوا بالعقل، وفُضِّلوا بالنطق والتمييز، وفُضِّلوا بأن جُعِل نبينا محمّدٌ - صلى الله عليه وسلم - منهم، وبتسليطهم على غيرهم من الخلق، وتسخير سائر الخلق لهم. (١)

فذوو الاحتياجات الخاصة في الكرامة والتفضيل، لا يختلفون عن غيرهم من أهل العافية، فهم كغيرهم من أُمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن أهل الإيمان، وكثير منهم كُرِّم بالعقل والنطق والتمييز فهم مِمَّنْ سُخِّر لهم الخَلق، فالهدي الرباني في التوجيه القرآني يؤكد على حق ذوي الاحتياجات الخاصة في العيش بكرامة.

• المطلب الثالث: حقهم في الحرية:

ومن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة الحرية، ومنها حرية الذات أي لا يكون أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة عبدا لغيره.

وحرية الرأي بأن يكون حراً في إبداء رأيه وأن تكون كلمته مسموعة وهذا ما يعرف في زماننا بحرية الرأي والتعبير، فقد أكد القرآن الكريم على هذا الحق في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (٣٨)} [الشورى: ٣٨]، قال الزجاج رحمه الله في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}: "أي لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه" (٢).

فدلت هذه الآية على إعطاء الحرية في التعبير وتبادل الآراء من خلال التشاور، وقال الله عز وجل لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)} [آل. عمران: ١٥٩]، قال ابن الجوزي في قوله تعالى {وَشاوِرهُم فِي الأَمر}: أي"استخرج آراءهم،


(١) - انظر؛ ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ج ٣، ص ٣٩.
(٢) - الزجاج، إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق، (توفي: ٣١١ هـ)، معاني القرآن وإعرابه، تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، بيروت، عالم الكتب للنشر، ط ١، ١٤٠٨ هـ-١٩٨٨ م، ج ٤، ص ٤٠١.