للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم ما عندهم" (١)،

ولم يفرق في ذلك بين أهل العافية أو ذوي الاحتياجات الخاصة، فالكل له حق في ابداء رأيه، وهذا ما كان يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه حينما كان يستشيرهم ويستخرج آراءهم، فهو القائل يوم بدر أشيروا علي أيها الناس، كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسمتع لذوي الاحتياجات الخاصة ويسمح لهم بإبداء آرائهم، لذا لم يتردد ابن أم مكتوم في ابداء رأيه عندما لم يستثنِ أولي الضرر من مرتبة القاعدين ويلحقوا بمرتبة المجاهدين، فاستمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - لرأيه فقد جاء في الحديث ان زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رضي الله عنه - قال: " انَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - أَمْلَى عَلَيْ: {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥)} [النساء: ٩٥]، " قال: فجاءَه ابنُ أُم مكتوم وهو يملّها عليَّ، فقال: يا رسول الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان رجلا أَعمى - فأنزلَ اللهُ تبارك وتعالى على رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفخذُهُ على فخِذِي، فثقُلتْ علي حتى خفتُ أن تَرُضَّ فخِذِي، ثم سُرِّيَ عنه، فأَنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ". (٢)

فهذا هو منهج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إعطاء الحرية للآخرين ليعبروا عن آرائهم، فعَنْ أَبِي هريرة - رضي الله عنه -: (أَن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف مِنَ اثنتينِ، وفي القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين قال: أَقَصُرت الصلاة يا رسول الله، أَم نسيت؟ فقال: أَصَدَقَ ذُو اليَدَيْنِ؟ ، فقال الناس: نعم، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلّى ركعتين أُخريينِ، ثم سلم، ثم كبر، ثمّ سجد مثل سجوده أَو أَطول، ثم رفع، ثم كبر فسجد مثل سجوده، ثم رفعَ). (٣)

ومن الحرية حرية اتخاذ القرار، بأن يكون كل واحد من ذوي الاحتياجات الخاصة حراً في اختياره وفي قراره، فلا يُكره على أمر لا يريده تحت سيف الضعف وحاجته للآخرين في بعض الأمور، فلا بد من اعطائهم الحرية في المشاركة في اتخاذ القرارات المناسبة وخاصة فيما يخصهم من أمور يحتاجون اليها في حياتهم، فنرى كثيراً من القرارات التي اتخذت من أجل تنظيم أمورهم وشؤونهم قد اتخذت من غيرهم، وقد أكد الله عز وجل على حرية اتخاذ القرار في القرآن الكريم قال تعالى: { ... فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)} [آل. عمران: ١٥٩]، "أى: إذا عزمت عقب المشاورة على إمضاء شئ واطمأنت به نفسك {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} فى فعل ذلك". (٤)


(١) - ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ص ٣٤٠ ..
(٢) - االبخاري، صحيح البخاري، كِتَابُ الجِهَادِ وَالسِّيَرِ، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَر} [النساء: ٩٥]، ج ٤، ص ٢٥، حديث رقم ٢٨٣٢.
(٣) - البخاري، صحيح البخاري، كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إِجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، ج ٩، ص ٨٧، حديث رقم ٧٢٥٠.
(٤) - الجمل، حسن عز الدين بن حسين بن عبد الفتاح أحمد، مخطوطة الجمل "معجم وتفسير لغوي لكلمات القرآن"، مصر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط ١، ج ٣، ص ١٢٦.