للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه الآية وان كانت موجهة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أنها عامة لكل المسلمين، فيا صاحب الحاجة الخاصة إذا عزمت واتخذت قرارا فتوكل على الله، فهكذا كان منهج الرسول عليه السلام مع أصحابه يعطيهم الحرية في اتخاذ القرار دون ضغط أو اكراه.

فقد أتى عمرو بن الجموح الى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد فَقَالَ: (يا رَسُول الله، إن بَنيَّ يريدون أن يحبسوني عَن هذا الوجه والخروج معك فِيهِ، والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة! فَقَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: أَما أنت فقد عذرك الله، ولا جهاد عليك، وقَالَ لبنيه: لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة، فأخذ سلاحه وولى، وقَالَ: اللهم أرزقني الشهادة، ولا تردني إِلَى أهلي خائبا، فلما قتل يوم أحد، قال رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده لقد رأَيته يطأ في الجنة بعرجته). (١)

مما سبق نرى كيف كان رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعطي الحرية لذوي الاحتياجات الخاصة باتخاذ القرار، بل كان يوجههم ويشجعهم على ذلك.

عَنْ مُعَاذٍ: أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: (كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ: أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُول الله، قَالَ: "فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ الله؟ قَالَ: أَجْتَهِدُ رَأْيِي، لَا آلُو، قَالَ: فَضَرَبَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: الحمدُ لله الذي وفَّق رَسولَ رَسولِ اللهِ لما يُرضي رَسولَ الله). (٢)

فنرى من هذا الحديث ان سر فهم معاذ بن جبل في كيفية القضاء، بأنه سيتخذ القرار المناسب ان احتاج اليه وذلك في قوله اجتهد رأيي ولا آلو.

ومن الحرية حرية التنقل في الذهاب والإياب، أي أن تكون حركة تنقل ذوي الاحتياجات الخاصة ميسرة من بيوتهم الى حيث يريدون ويحتاجون، فلا بد من تذليل الصعاب في الطرق ومداخل المؤسسات ليسهل عليهم التنقل، فكثير من المؤسسات في بلاد المسلمين كالمدارس والجامعات والمستشفيات وحتى المساجد، لا تكون مهيأة في مداخلها لذوي الاحتياجات الخاصة، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥)} [الملك: ١٥].

قال النسفي رحمه الله: في قوله تعالى: {هُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً} لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} جبالها أو طرقها (٣).

ومما يحد من حرية حركة ذوي الاحتياجات الخاصة، إيقاف السيارات على الأرصفة وجوانب الطرق، أو وضع البضاعة أمام المتاجر والمحلات، ناسين أو متناسين أن هذا حق عام لا


(١) - انظر؛ ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ص ١٩٤.اخرجه (البيهقي، السنن الكبرى، كتاب السير، باب مَنِ اعتذر بالضّعف والْمرضِ والزّمَانة والعذر في ترك الْجهَادِ، ج ٩، ص ٤٢، حديث رقم: ١٧٨٢١).
(٢) - احمد بن حنبل، مسند أحمد بن حنبل تتمة مسند الأنصار، حديث معاذ بن جبل، ج ٣٦، ص ٣٣٣، حديث رقم ٢٢٠٠٧، حكم الأرنؤوط - اسناده ضعيف.
(٣) - انظر؛ النسفي، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي، (توفي: ٧١٠ هـ)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، حققه وخرج أحاديثه: يوسف علي بديوي، بيروت، دار الكلم الطيب، ط ١، ١٤١٩ هـ-١٩٩٨ م، ج ٣، ص ٥١٤.