للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فميزان التفاضل عند الله عز وجل هو التقوى والإيمان، لا الأشكال ولا الألوان ولا الأحساب ولا الأنساب، قال ابن كثير رحمه الله: " فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -." (١)

فهكذا لا بد أن يكون منهج الناس في التعامل بينهم في الحياة لكي يسعدوا في الدنيا ويفلحوا في الآخرة، أما إذا حادوا عن هذا المنهج واتبعوا المنهج الجاهلي في التقييم، فان النتيجة تقدير من لا يستحق التقدير، وهضم حقوق أصحاب المكانة العالية عند الله عز وجل فتختل المعيشة في الحياة، قال سيد قطب رحمه الله: " فأما اختلاف الألسنة والألوان، واختلاف الطباع والأخلاق، واختلاف المواهب والاستعدادات، فتنوع لا يقتضي النزاع والشقاق، بل يقتضي التعاون =-٠٨ للنهوض بجميع الاحتياجات، وليس للجنس واللون واللغة والوطن، وسائر هذه المعاني من حساب في ميزان الله، إنما هناك ميزان واحد تتحد به القيم ويعرف به فضل الناس، وهو يزنكم عن علم وخبرة بالقيم والموازين: ان الله عليم خبير". (٢)

• المطلب الخامس: ما أصاب ذوي الاحتياجات فبقدر الله عز وجل:

إن الله عز وجل يقرر في القرآن الكريم أن كل شيء يصيب الإنسان هو بقضاء وقدر، فعندما يدرك أصحاب الاحتياجات الخاصة هذه المعاني يُسلمون أمرهم لله، ويؤمنون بقضاء الله، فالقرآن لا ينكر البلاء الذي يحل بالإنسان لكنه يُوَجِهنا الى الصبر والتحمل وانتظار الثواب والأجر بعد ذلك إن صبرنا على المصيبة.

والمصيبة جمعها مصيبات ومصائب، والمصيبة هي كل مكروه يحل بالإنسان وينزل به (٣).

قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢)} [الحديد: ٢٢].

يقول الإمام الطبري في تفسيره للآية الكريمة: "ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الأرض بجدوبها وقحوطها، وذهاب زرعها وفسادها، (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) بالأوصاب والأوجاع والأسقام، (إِلا فِي كِتَابٍ) يعني: إلا في أمّ الكتاب، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا) يقول: من قبل أن نبرأ الأنفس، يعني: من قبل أن نخلقها، يقال: قد بَرَأَ الله هذا الشيء، بمعنى خلقه فهو بارئه." (٤)

فعندما ترسخ هذه المعاني في نفوس ذوي الاحتياجات الخاصة لا يجزعون لما أصابهم ولا يحزنون لما ألَمَّ بهم فتطمئن قلوبهم وتنشرح صدورهم وتسكن نفوسهم، قال تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١)} [التغابن: ١١].


(١) - ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج ٧، ص ٣٦٠.
(٢) - سيد قطب، في ظلال القرآن، ج ٦، ص ٣٣٤٨.
(٣) - انظر؛ د. احمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصر، ج ٢، ص ١٣٣٠.
(٤) - الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ٢٣، ص ١٩٥.