للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالت أسماء بنت أبي بكر: لما كان يوم الفتح، نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا طوى، قال أبو قحافة: -لبنت له كانت من أصغر ولده- أَيْ بُنَيّة، أشرفي بي على أبي قبيس، وقد كف بصره، فأشرفت به عليه، فقال: أي بنية، ماذا ترين؟ قالت: أرى سوادا مجتمعا، وأرى رجلا يشتد بين ذلك السواد مقبلا ومدبرا، فقال: تلك الخيل أي بنية، وذلك الرجل الوازع يعني الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها، ثم قال: ماذا ترين؟ قالت: أرى السواد قد انتشر، قال: قد والله إذا دفعت الخيل، فأسرعي بي إلى بيتي، فخرجت به سريعا حتى إذا هبطت به إلى الأبطح لقيتها الخيل، فلما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، خرج أبو بكر حتى جاء بأبيه يقوده، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أجيئه، قال: يمشي هو إليك يا رسول الله، فأجلسه بين يديه، ثم مسح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره، وقال: "أسلم"، فأسلم). (١)

وعاش بعد ابنه أَبي بكر، وورثه، وهو أول من ورث خليفة في الإِسلام، إلا أنه رد نصيبه من الميراث، وهو السدس، على ولد أَبي بكر، وتوفي أَبُو قحافة سنة أربع عشرة، وله سبعة وتسعون سنة. (٢)

فائدة:

أهمية الرحمة بكل ضعيف، وبكل من يحتاج الى عون، وعدم تكليفهم ما يشق عليهم، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: "هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أجيئهُ".

١١. العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - "أصيب بالعمى".

هو عباس بْن عبد المطلب بْن هاشم عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، يكنى أبا الفضل، وكان أسن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، وقيل: بثلاث سنين.

وكان العباس في الجاهلية رئيسًا في قريش، وَإِليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية، أما السقاية فمعروفة، وأما عمارة المسجد الحرام فإنه كانَ لا يَدَعُ أحَدًا يَسُب في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجرًا.

وشهد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيعة العقبة، لَما بايعه الأنصار، ليُشَدد له العقد، وكان حينئذ مشركا وكان ممن خرج مع المشركين إِلى بدر مكرها، وأسر يومئذ فيمن أسر، وفدى يَوم بدر نفسه وابني أخويه: عقيل بْن أَبِي طالب، ونوفل بْن الحارث، وأسلم عقيب ذلك وقيل: إنه أسلم قبل الهجرة، وكان يكتم إسلامه، كان بمكة يكتب إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبار المشركين، وكان من بمكة من المسلمين يتقوون به، وكان لهم عونا على إسلامهم، بقي بمكة بإشارة من النبي - صلى الله عليه وسلم -.


(١) - احمد بن حنبل، مسند الامام أحمد بن حنبل، مسند النساء، حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ج ٤٤، ص ٥١٧ - ٥١٨، حديث رقم ٢٦٩٥٦، حكم الأرنؤوط اسناده حسن.
(٢) - انظر؛ ابن الاثير، اسد الغابة، ج ٣، ص ٥٧٥.