للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• المطلب العاشر: موقف عبد الرحمن بن عوف وصبره على الإبتلاء بالعرج:

هو عبد الرحمن بن عوف، من قريش أَحدُ الثمانيةِ الذين بادروا إِلى الإِسلام، هاجر الهجرتين، وأَحدُ البدرِيِّينَ، وهو أحدُ العشرة المبشرين بالجنة، وَأَحَدُ الستة أَهل الشورى، له عدَّةُ أَحاديث، صلى خلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قال ابن إِسْحَاقَ: كَانَ عبد الرحمن بن عوف أَعرجَ أُصيبَ يوم أُحُد وَجُرح عِشرين جراحةً بعضها في رجله فعرج، توفي سنة اثنتين وثلاثين للهجرة (١).

وقد خلَّد الله عز وجل موقفه في القرآن الكريم، وذلك في موضعين:

أما الموضع الأول: عندما نزل قوله تعالى: {لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤)} [البقرة: ٢٨٤]

فجاء مبادرا مع عدد من الصحابة الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلب التخفيف والتيسير.

قال تعالى: {وإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ}، جاء في تفسير الواحدي: قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: (كُلفنا من العمل ما لا نطيق، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه، وأن له الدنيا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا، فقالوا: سمعنا وأطعنا، واشتد ذلك عليهم ومكثوا حولا، فأنزل الله تعالى الفرج والرحمة، بقوله: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ... } [البقرة: ٢٨٦] فنسخت هذه الآية ما قبلها) (٢).

وهكذا نرى أن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهم -، كان له دور في طلب التخفيف والتيسير على المسلمين.

وأما الموضع الثاني: الذي سجله القرآن الكريم لعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهم -، فهو عندما أنفق نصف ماله في سبيل الله، فلمزه المنافقون، فتولى الله سبحانه الدفاع عنه، قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٩)} [التوبة: ٧٩]، جاء في تفسير القرطبي: " قال قَتَادةُ: " يلمزون" يعيبون، قال: وذلك أَن عبد الرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله، وكان ماله ثمانية آلاف فتصدق منها بأَربعة آلاف، فقال قوم: ما أَعظم رياءهُ، فأَنزل الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ} " (٣).


(١) - انظر؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج ١، ص ٦٨ الى ٩١.
(٢) - الواحدي، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، ج ١، ص ٤٠٨. واخرجه (مسلم، صحيح مسلم، كتاب الايمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس والخواطر بالقلب اذا لم تستقر، ج ١، ص ١١٥، حديث رقم: ١٢٥)
(٣) - القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج ٨، ص ٢١٥.