للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبيلا لأن البهائم تهتدي لمراعيها، وتنقاد لأربابها، وهؤلاء الكفرة لا يطيعون ربهم، ولا يشكرون نعمة من أنعم عليهم، بل يكفرونها، ويعصون من خلقهم وبرأهم " (١).

قال تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)} [الحج: ٤٦]، قال الطبري: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ): إنهم يبصرون الأشياء والأشخاص بأبصارهم، (ولكن تعمى القلوب الَّتي في الصُّدور) تعمى قلوبهم التي في صدورهم عن إبصار الحق ومعرفته (٢).

أما الشيخ أبو بكر الجزائري فنجده يبين أهمية البصيرة فيقول: " العبرة بالبصيرة القلبية لا بالبصر، فكم من أعمى هو أبصر للحقائق وطرق النجاة من ذي بصر حاد حديد، ومن هنا كان من المفروض على العبد أن يحافظ على بصيرته أكثر من المحافظة على عينيه، وذلك بأن يتجنب مدمرات القلوب من الكذب والترهات والخرافات، والكِبْر والعُجْب والحب والبغض في غير الله". (٣)

أما الشهيد سيد قطب فيعقب على الآية اذ يقول: " ويمعن في تحديد مواضع القلوب التي في الصدور زيادة في التوكيد، وزيادة في إثبات العمى لتلك القلوب مع وجه التحديد، ولو كانت هذه القلوب مبصرة لجاشت بالذكرى، وجاشت بالعَبْرَة، وجنحت إلى الإيمان خشية العاقبة الماثلة في مصارع الغابرين وهي حولهم كثير.

ولكنهم بدلا من التأمل في تلك المصارع، والجنوح إلى الإيمان، والتقوى من العذاب .. راحوا يستعجلون العذاب الذي أخره الله عنهم إلى أجل معلوم." (٤)

وفي موضع آخر يربط بين العمى الدنيوي والأخروي عندما يتعرض لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (٧٢)} [الإسراء: ٧٢]، "أي من عمي في الدنيا عن دلائل الهدى، فهو في الآخرة أعمى عن طرق الخير، وأشد ضلالا." (٥)

• المطلب الرابع: التقوى والإيمان أساس المفاضلة في القرآن الكريم:

لقد كرم الله تعالى الإنسان سواء في ذلك ذوي الاحتياجات الخاصة أو غيرهم، وجعلهم في معظم المسؤوليات والجزاء متساوين، وجعل مناط التفاضل بينهم مبنيا على التقوى والإيمان، ولم يجعله بناء على الأحساب والأشكال والألوان، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)} [الحجرات: ١٣].

قال الإمام الطبري: " هذه الشعوب والقبائل لكم أيها الناس، ليعرف بعضكم بعضا في قرب القرابة منه وبعده، لا لفضيلة لكم في ذلك، وقربة تقربكم إلى الله، بل أكرمكم عند الله اتقاكم". (٦)


(١) - الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ١٩، ص ٢٧٤.
(٢) - انظر؛ الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج ١٨، ص ٦٥٢.
(٣) - أبو بكر الجزائري، أيسر التفاسير، م ٣، ص ٤٨٣.
(٤) - سيد قطب، في ظلال القرآن، ج ٤، ص ٢٤٣٠.
(٥) - سيد قطب، في ظلال القرآن، ج ٤، ص ٢٢٤١.
(٦) - الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ٢٢، ص ٣١٢.