للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وافر العلم مع الثقة والأمانة، اتفق انه خرج إلى الإسكندرية فأدركه أجله بها في سنة ١١٧ للهجرة. (١)

• المطلب الخامس: حقهم في الكسب والتصرف والتملك.

ومن حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة حق الكسب والتصرف، كغيرهم من أهل العافية ما داموا أهلاً للتصرف، والمؤهل للتصرف: هو الحر البالغ العاقل الرشيد، فما دام ذوو الاحتياجات الخاصة كذلك، فلهم حق الكسب والتصرف في البيع والشراء وسائر المعاملات المشروعة، أما من كان يحول بينه وبين التصرف شيئٌ ما، كَعِيٍّ في حواسه، أو خرس في لسانه، أو من كان به جنون أو سفه، فإنه ينوب عنه وليه، أو يستعين بغيره من أهل المعرفة والاختصاص، قال تعالى: { ... فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ... } [البقرة: ٢٨٢].

قال ابن الجوزي رحمه الله: المراد بالسفيه هاهنا أنه الجاهل بالأموال، والجاهل بالإملاء، أو الصبي والمرأة، أو المبذر. والمراد بالضعيف: أنه العاجز والأخرس ومن به حمق، قاله ابن عباس وابن جبير (٢).

قال الواحدي في قوله تعالى: {أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ} أي لخرس أو عِيٍّ أو جهل بما له وعليه، {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ} أي: ولي السفيه أو العاجز أو الطفل (٣).

فبتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من حق الكسب والتصرف، يصيرون فاعلين ومنتجين ولجهدهم وأوقاتهم مستثمرين وبأموالهم منتفعين، وبهذا لا يكونون عالة على الآخرين لأنهم ينالون حق التملك.

فإن من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة حق التملك بالطرق المشروعة كما لغيرهم، كالتملك بالكسب أو الهبات أو الأعطيات أو التملك بالميراث، قال تعالى: { ... لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ... } [النساء: ٣٢]. قال القرطبي: " كانت الوراثة في الجاهلية بالرجولية والقوة، وكانوا يورثون الرجال دون النساء، فأَبطلَ اللهُ عزَّ وجلَّ ذلك بهذه الآية" (٤).

فالرجال والنساء لهم حق في الميراث سواء كانوا من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من غيرهم، قال تعالى: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (٧)} [النساء: ٧].

قال ابن عاشور رحمه الله تعالى: كانوا قبل الاسلام قد اعتادوا إيثار الأقوياء والأَشدَّاء بالأَموال، وحرمان الضُّعفاء، وإِبقاءَهُم عالةً على أَشدَّائهم حتَّى يكونوا في مقادتهِم، فكان أُولئك


(١) - انظر؛ الذهبي، معرفة القراء الكبار، ص ٤٣ - ٤٤.
(٢) - انظر؛ ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، ج ١، ص ٢٥١.
(٣) - انظر؛ الواحدي، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، ج ١، ص ٤٠٣.
(٤) - القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج ٥، ص ٧٩.