للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• المطلب الأول: حقهم في الحياة:

إن من حق ذوي الاحتياجات الخاصة أن يعيشوا في الحياة آمنين مطمئنين، فهذا حقٌ لكل إنسان سواء من أهل العافية أو من ذوي الاحتياجات الخاصة على حد سواء، كونهم يحملون بين جوانبهم نفخة من روح الله، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ... } [الاسراء: ٣٣]، وجعل الله عز وجل حرمة فرد واحد من الناس كحرمة سائر البشر، قال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَاءِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢)} [المائدة: ٣٢]، فهذه قيمة الحياة للإنسان في القرآن الكريم، سواء كان من ذوي الاحتياجات الخاصة أم غيرهم، ولو ألقينا نظرة سريعة على ذوي الاحتياجات الخاصة قبل الاسلام لرأينا أنه لا قيمة لهم ولا لحياتهم، فعند الفراعنة قام منفتاح الأول (حوالي ١٢٠٠ ق. م) بعزل آلاف المجذومين من بني إسرائيل في محاجر طرة، ثم أسكنهم بعد ذلك في مدينة تانيس بشمال شرق الدلتا، وكانت المدينة خالية بعد طرد الهكسوس منها، وعند النظر الى اليونان ونسقهم الاجتماعي، فهناك أسلوب أخر شاذ، يساير فلسفاتهم وقتذاك في النظر الى الحياة، فقوانينهم كانت تسمح بالتخلص ممن بهم نقص جسمي، وقد أعلن "أفلاطون" و"أرسططاليس" موافقتهما على هذا العمل، وكانت السلال تباع علنا في أسواق إسبرطة وأثينا، ليوضع فيها الصغار المشوهين خارج المدينة إهلاكا لهم، وفي روما ظل الناس أجيالا عديدة يغرقون الأطفال غير مكتملي النمو. (١)

فحياة الانسان في ظل القرآن الكريم لها قدسية، لا يجوز التعدي عليها إلا بحق فلا يجوز للإنسان أن يقتل نفسه، قال تعالى: { ... وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩)} [النساء: ٢٩]، كما يحرم على غيره ان يعتدي عليه، قال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)} [المائدة: ٤٥]، فالآيات القرآنية تنص على حفظ النفس البشرية، فلا يجوز إزهاق أي نفس للتخلص منها بحجة أن فيها نقصاً أو ضعفاً أو جذاماً أو جنوناً، فلا يحق لأحد أن يقتل أحدا إلا بحكم شرعي.

فعن عبد اللهِ بن مسعود - رضي الله عنه -، قَالَ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحلُّ دمُ امرئ مُسلم، يشهدُ أَن لا إِله إِلا اللهُ وأَنِّي رسول الله، إِلَّا بإحدى ثلاث: النَّفسُ بالنَّفس، والثيِّبُ الزاني، والمارقُ من الدِّين التارك للجماعة) (٢).


(١) انظر؛ بشير، اقبال محمد، ومخلوف، اقبال ابراهيم، الرعاية الطبية والصحية ودور الخدمة الاجتماعية، الاسكندرية، المكتب الجامعي الحديث، ص ٢ - ٣.
(٢) - البخاري، صحيح البخاري، كتاب الديات، باب قول اللَّه تعالَى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ ... } [المائدة: ٤٥]، ج ٩، ص ٥، حديث رقم ٦٨٧٨.