للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانَ في دِينهِ رِقَّةٌ ابتُلي على حسَبِ دِينِهِ، فما يَبرَحُ البلاءُ بالعَبدِ حَتَّى يَترُكَهُ يَمشي على الأَرضِ ما عليهِ خطيئَة). (١)

جاء في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: "أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ" أَي: أَكثر أَو أَصعبُ بلاء؟ أَي: مِحنَةً وَمُصيبةً، قال: "الأَنبياءُ" أَي: هُم أَشدُّ في الابتلاءِ، لأَنهُم يتلذذون بالبلاء كما يتلذَّذُ غيرُهُم بالنَّعماء، ولأَنهم لو لم يُبتلَوا لَتُوُهِّمَ فيهمُ الأُلوهيَّةُ، وليُهون على الأُمَّة الصَّبرُ على البليَّة. "ثُمَّ الأَمثلُ" أَيِ: الأَشبهُ بهم، "فَالأَمثَل": أَيِ الأَشرَفُ فَالأَشرفُ، والأَعلى فالأَعلى رُتبةً ومنزلةً يعني: مَنْ هو أَقربُ إِلى اللهِ بلاؤُهُ أَشدُّ ليكونَ ثوابُهُ أَكثرَ، إِذ لا يخلو واحدٌ منهُم مِنْ عظيم مِحنَةٍ، وجَسيمِ بَليَّة بالنِّسبةِ لأَهل زمنه، ويدُلُّ عليه قَولُه: "يُبتَلَى الرَّجُلُ على حَسَبِ دِينِهِ" أَي: مقداره ضعفًا وقُوَّة، ونقصا وكمالا. "فَإِنْ كَانَ دِينه صُلْبًا" أَي: شديدا، اشتَدَّ بلاؤُه أَي: كمِّيَّة وكيفيَّة، وإِن كان في دينه رقة هون عليه البلاء، ليكون ثوابهُ أَقلَّ، ولولا التخفيفُ في بلائه لَخُشِيَ عليه الكُفرُ مِنَ ابتلائهِ، "حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ": كنايةٌ عن خلاصه من الذُّنوب، فكَأَنهُ كان محبوسا، ثمَّ أُطلق وخُلِّيَ سبيله، "مَا لَهُ" أَي: عليه ذَنبٌ. (٢)

من فقه الحديث:

أ. أتباع الأنبياء هم أشد الناس بلاء.

ب. المحن والبلايا مِمْحاةٍ للخطايا.

ج. بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين.

٧. من يشكر النعمة ويؤدي حقها تدوم عليه.

عن ابي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ ثلاثةً في بني إِسرائيل: أَبرَص وأَقرعَ وأَعمى، بدا للهِ عزّ وَجَلَّ أَن يَبتلِيهم، فَبعَث إِلَيهِم مَلَكا، فأَتى الأَبرَص، فقال: أَيُّ شيءٍ أَحبُّ إِليك؟ قال: لَونٌ حَسَنٌ، وَجِلدٌ حَسَنٌ، قَد قَذِرَنِي النَّاس، قال: فمسحهُ فذهب عنهُ، فأُعطيَ لونا حسنا، وجلدا حسنا، فقال: أَيُّ المال أَحب إِليك؟ قال: الإِبل، - أَو قال: البقرُ، هو شكَّ في ذلك: إِنَّ الأَبرصَ، والأَقرع، قال أَحدُهُما الإِبلُ، وقال الآخر: البقر -، فأُعطي ناقةً عشراءَ، فقال: يُبارَكُ لك فيها وأَتى الأَقرع فقال: أَي شيء أَحبُّ إِليك؟ قال شعر حسن، ويذهبُ عني هذا، قد قَذِرَنِي النَّاس، قال: فمَسَحَهُ فذهبَ وأُعطي شعرا حسنا، قال: فأي المال أَحبُّ إِلَيك؟ قال: البقر، قال: فأَعطاه بقرةً حاملا، وقال: يبارَكُ لك فيها، وأَتى الأَعمى فقال: أَيُّ شيءٍ أَحبُّ إِليك؟ قال: يَرُدُّ اللهُ إِليَّ بَصرِي، فأُبصِرُ به النَّاس، قال: فَمسحهُ فَرَدَّ اللهُ إِليهِ بصرهُ، قال: فأَيُّ المال أَحبُّ إِليك؟ قال الغنمُ: فَأَعطاهُ شاةً والِدًا، فأُنتجَ هذان وولَّدَ هذا، فكان لهذا وادٍ مِنْ إِبل، ولهذا وادٍ من بقر، ولهذا وادٍ من غنم، ثُم إِنه أَتى


(١) - الترمذي، سنن الترمذي، ابواب الزهد، بَابُ مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ عَلَى البَلَاءِ، ج ٤، ص ٦٠١، حديث رقم ٢٣٩٨، حكم الالباني حسن صحيح.
(٢) - انظر؛ القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج ٣، ص ١١٤٠ - ١١٤١.