للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

• المبحث الرابع: عناية القرآن الكريم بذوي الاحتياجات الخاصة.

يرشد القرآن الكريم الى ضرورة العناية بذوي الاحتياجات الخاصة، فلقد اهتم بهم اهتماما عظيما يرقى الى أعظم درجات الاهتمام وأسماها، فقد حثَّ القرآن الكريم على مخالطتهم ومؤاكلتهم وكف الأذى عنهم والإحسان إليهم وتلبية مطالبهم، وبلغت العناية بهم أن أنزل الله بحقهم قرآناً يتلى ويعمل به ويتحاكم إليه، وقد جاء هذا المبحث في خمسة مطالب:

المطلب الأول: دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع وعدم النفور منهم.

المطلب الثاني: احترام وتقدير ذوي الاحتياجات الخاصة.

المطلب الثالث: حسن معاملة ذوي الاحتياجات الخاصة وتلبية مطالبهم.

المطلب الرابع: استثناء القرآن الكريم لذوي الاحتياجات الخاصة من بعض التكاليف.

المطلب الخامس: نزول قرآن بحق ذوي الاحتياجات الخاصة.

• المطلب الأول دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع وعدم النفور منهم.

وجَّه القرآن الكريم المسلمين إلى عدم النفور من ذوي الاحتياجات الخاصة بالبعد عنهم، فقد حض القرآن الكريم على مخالطتهم ومجالستهم في المأكل والمشرب، فقد كان شائعا قبل الإسلام النفور منهم، قال تعالى:

{لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْأيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦١)} [النور: ٦١].

قال القرطبي: "الآية كلها في معنى المطاعم، وكانت العرب ومن بالمدينة قبل المبعث تتجنب الأكل مع أهل الأعذار، فبعضهم كان يفعل ذلك تَقَذُراً لجولان اليد من الأعمى، ولانبساط الجلسة من الأعرج، ولرائحة المريض وعِلّاته، وهي أخلاق جاهلية وكِبْر، فنزلت الآية مؤذنة" (١).

ولا زالت هذه الأخلاق الجاهلية عند بعض الناس مِمَن يزدرون ذوي الاحتياجات الخاصة فلا يخالطونهم ولا يؤاكلونهم ازدراءً وتكبراً، والبعض قد يحجر على ذوي الاحتياجات الخاصة أو يحبسهم في البيوت ولا يسمح لهم بالخروج لشعورهم بالخجل والحرج منهم أمام الناس، وقد غاب عنهم مكانة هؤلاء عند الله عز وجل فقد بشرهم بالأجر العظيم وبجنات النعيم إذا هم صبروا واسترجعوا، فكثيرٌ من ذوي الاحتياجات الخاصة من يتقبل ما أصابه، ويتكيف في الحياة مع ما أصيب به، فالله عز وجل يعوضه عما فقده، فهو إذا أخذ أعطى، لكن ذوي الاحتياجات الخاصة يعانون من عدم تقبل كثيرٍ من الناس لهم، أو من نظرة الآخرين لهم، فهم تارة ينظرون اليهم نظرة


(١) - القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج ١٢، ص ٣١٣.