للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لضعفهم يصبرون على الحرمانِ، ويقنعون بالعيش في ظلال أَقاربهم، لِأَنهم إِن نازعوهم طردوهم وحرموهم، فصاروا عالةً على الناس (١).

مما سبق نجد أن القرآن الكريم أبطل تلك العادات الجاهلية المجحفة في حق الضعفاء، فأنصفهم وورثهم وملكهم، فالتملك حق من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة كالكسب والتصرف ليلبوا مطالبهم ويحققوا ما يريدون في معيشتهم.

• المطلب السادس: حقهم في العمل.

والحق في العمل أيضا من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، فهم كغيرهم من أفراد المجتمع بحاجة الى توفير فرص عمل لهم، فلا بد أن يكون لهم دور في بناء هذا المجتمع وإعماره، وهم أصحاب طاقات وإمكانات فلا بد أن تستثمر بما يعود بالنفع والخير عليهم وعلى غيرهم، وأن الله عز وجل دعا الجميع للعمل الأخروي والدنيوي، قال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)} [التوبة: ١٠٥]، قال فخر الرازي رحمه الله: في قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا} " ثبتَ أَن هذه اللَّفظَة الواحدَة جَامِعةٌ لجميعِ ما يَحتاجُ المَرءُ إليهِ في دينهِ ودُنياهُ ومعاشِهِ ومعادِهِ" (٢).

وجاء في تفسير المراغي: {وَقُل اعمَلوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُه وَالمُؤمِنُون} أي وقل لهم أيها الرسول اعملوا لدنياكم وآخرتكم، لأنفسكم وأمتكم، فالعمل هو مناط السعادة، لا الإعتذار عن التقصير، وسيرى الله عملكم خيرا كان أو شرا، وسيراه رسوله والمؤمنون ويزنونه بميزان الإيمان الذي يفرق بين الإخلاص والنفاق، وهم شهداء على الناس (٣).

فالقرآن الكريم يحث على العمل والجد والاجتهاد، فالذي يعمل ينفع نفسه وينفع غيره، وذوو الاحتياجات الخاصة ينتفعون بالعمل من عدة نواحي، منها ملء فراغهم بما هو نافع ومفيد، ومنها المحافظة على صحة أبدانهم فترك الحركة يضمر العضلات ويضعف الأبدان، ومنها المحافظة على صحة نفوسهم فبخروجهم للعمل يعيشون أجواء مختلفة بعيدة عن جو الإصابة، كما أنهم بالعمل ينتجون ويكسبون فبذلك لغيرهم لا يحتاجون.

عن المِقدامِ بن معد يكرب - رضي الله عنه -، عَن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: (ما أَكلَ أَحدٌ طعاما قطُّ، خيرا مِنْ أَن يأكُلَ مِنْ عملِ يده، وإِنَّ نبي اللهِ داوُد عليهِ السَّلام، كان يأكلُ مِنْ عمل يَدِهِ) (٤). فداود عليه السلام وبقية الأنبياء كانوا يعملون، ومنهم موسى عليه السلام الذي عمل برعي الأغنام عشر سنين، فذوو


(١) - انظر؛ ابن عاشور، محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، (توفي: ١٣٩٣ هـ)، التحرير والتنوير (تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد)، تونس، الدار التونسية للنشر، ١٩٨٤ م، ج ٤، ص ٢٤٧.
(٢) - فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير، ج ١٦، ص ١٤٢.
(٣) - انظر؛ المراغي، أحمد بن مصطفى، (توفي: ١٣٧١ هـ)، تفسير المراغي، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، ط ١، ١٣٦٥ هـ-١٩٤٦ م، ج ١١، ص ٢٠.
(٤) - البخاري، صحيح البخاري، ، كتَابُ البُيُوعِ، باب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ، ج ٣، ص ٥٧، حديث رقم ٢٠٧٢.