للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنزل الله تعالى بحقه قرآنا حيث قال تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى (٨) وَهُوَ يَخْشَى (٩) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ (١٣)} [عبس: ١٣]

" عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أنزل {عَبَسَ وَتَوَلَّى} في ابن أم مكتوم الأعمى، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقول: يا رسول الله أرشدني، وعند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من عظماء المشركين، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض عنه ويقبل على الآخر فيقول له: أترى بما أقول بأسا، فيقول: لا، فنزلت {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى*})." (١)

قال الطبري: {عَبَسَ وَتَوَلَّى}: أي قبض وجهه تكرها وأعرض، {أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى}: لأنه جاءه الأعمى، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}: وما يدريك يا محمد لعل هذا الأعمى الذي عبست في وجهه يتزكى ويتطهر من ذنوبه، {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى}: وما يدريك لعل هذا الأعمى يعتبر، فينفعه الاعتبار والإتعاظ، {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى}: وأما هذا الأعمى الذي جاءك يسعى، وهو يخشى الله ويتقيه، فأنت عنه تتلهى وتعرض وتتغافل، وتتشاغل عنه بغيره. {كَلَّا}: ليس الأمر كما تفعل يا محمد حيث تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدى لمن استغنى، {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} إن هذه السورة والدعوة تذكرة وعظة وعبرة (٢).

وقد أوصت الآيات بوصايا جليلة تراعي حق ذوي الاحتياجات الخاصة، منها ما جاء في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} قال الصابوني في تفسير الآية: " أي لا تفعل بعد اليوم مثل ذلك، فهذه الآيات موعظة وتبصرة للخلق، يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها العقلاء {فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ}: أي فمن شاء من عباد الله اتعظ بالقرآن الكريم، واستفاد من إرشاداته وتوجيهاته، قال المفسرون: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا العتاب، لا يعبس في وجه فقير قط، ولا يتصدى لغني أبدا، وكان الفقراء في مجلسه أمراء" (٣).

ويستمر تكريم ابن ام مكتوم الذي حظي بمكانة عالية عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويعلو شأنه فينزل بحقه مرة أخرى قرآن يتلى الى يوم القيامة، عن البراء - رضي الله عنه - قال) لما نزلت {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ} قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أُدعو فلانا" فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف، فقال: " اكتب" {لَا يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها {لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ


(١) - السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن ابن بكر السيوطي، لباب النقول في أسباب النزول، بيروت، دار إحياء العلوم، ط ٣، ١٩٨٠ م، ص ٢٧٧.
(٢) - انظر؛ الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج ٢٤، ص ٢١٧ - ٢٢١ .. اخرجه الترمذي، سنن الترمذي، ابواب تفسير القرآن، باب ومن سورة عبس، ج ٥، ص ٤٣٢، حديث رقم: ٣٣٣١، حكم الألباني صحيح الاسناد.
(٣) - الصابوني، صفوة التفاسير، ج ٣، ص ٤٩٥.