للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أطلق لساني بالمنطق، وكانت فيه عُجمة عن الكلام الذي كان من إلقائه الجمرة إلى فيه يوم همّ فرعون بقتله" (١).

لقد طلب موسى عليه السلام من الله سبحانه وتعالى أن يحل عقدة لسانه، عندما أمره الله عز وجل وقال له اذهب الى فرعون انه طغى، قال القرطبي: لما آنسه بالعصا واليد، وأَراه ما يدل على أَنه رسول، أَمره بالذهاب إِلى فرعون، وأن يدعوه، وطغى: معناه عصى وتكبر وكفر وتجبر وجاوز الحد، {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨)} [طه: ٢٨] لقد طلب الإِعانة لتبليغ الرسالة .. فقال موسى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي}: أَي وسعه ونوره بالإِيمان والنبوة، {وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي}، أَي سهل علي ما أَمرتني به من تبليغ الرسالة إِلى فرعون، {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي} يعني العُجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي أَطفأَها في فيه وهو طفل، قال ابن عباس: كانت في لسانه رتَّة*. (٢)

فعندما أمر الله عز وجل موسى عليه السلام بأن يأتي فرعون ليبلغه رسالة الله ويقيم عليه الحجة، {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (٣٤)} [القصص: ٣٤].

قال الطبري مفسرا ما قاله موسى: رب إِني قتلت من قوم فرعون نفسا فأَخاف إن أتيتهم فلم أُبِنْ عن نفسي بحجة {أَنْ يَقْتُلُونِ}، لأن في لساني عقدة، ولا أبين معها ما أريد من الكلام {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} يقول: أحسن بيانا عما يريد أن يبينه {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} يقول: عونا {يُصَدِّقُنِي}، أي: يبين لهم عني ما أخاطبهم به، فإنه يفهم ما لا يفهمون (٣).

فلما جاء موسى وهارون الى فرعون وبلغاه أمر الله، أعرض فرعون واستكبر عن امر الله عندها {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٥)} [الزخرف: ٥١].

قال الطبري: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} من القبط، فـ {قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} يعنى بقوله: {مِنْ تَحْتِي}: من بين يدي في الجنان. كانت لهم جنات وأنهار ماء.

وقوله: {أَفَلا تُبْصِرُونَ} يقول: أفلا تبصرون أيها القوم ما أنا فيه من النعيم والخير، وما فيه موسى من الفقر وعِيِّ اللسان، افتخر بملكه مصر، وما قد مكَّن له من الدنيا استدراجا من الله له، وحسب أن الذي هو فيه من ذلك ناله بيده وحوله، وأن موسى إنما لم يصل إلى الذي يصفه، فنسبه من أجل ذلك إلى المهانة محتجًا على جهله قومه بأن موسى عليه السلام لو كان محقًا فيما يأتي


(١) - الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ١٨، ص ٢٩٩.
(٢) - انظر؛ القرطبي، الجامع الاحكام القرآن، ج ١١، ص ١٩٢.
* الرتة: العُجمة فِي اللِّسَان وَهِي اللثغة والتردد فِي النُّطْق (مصطفى والزيات وآخرون، المعجم الوسيط، ج ٣٢٧).
(٣) - انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القران، ج ١٩، ص ٥٧٧.