للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن الاسلام لم يُحَرِّم زواج الأقارب، بل جعله مباحا دل على ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ الَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (٥٠)} [الأحزاب: ٥٠]

قال الامام الطبري رحمه الله: فأحل الله له صلى الله عليه وسلم من بنات عمه وعماته وخاله وخالاته، المهاجرات معه منهن دون من لم يهاجر منهن معه، يعني: اللاتي تزوجتهن بصداق مسمى. (١)

فهذا نص صريح على زواج الأقارب، والنبي - صلى الله عليه وسلم - زوج ابنته فاطمة لابن عمه علي - رضي الله عنه -، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حثنا على حسن الاختيار سواءٌ أكان من الأقارب أم من غيرهم، عن عائشة قالت: قال - صلى الله عليه وسلم -: (تخيروا لنطفكم فأنكحوا الأكفاء، وأنكحوا اليهم). (٢)

اما رأي العلم والطب بزواج الأقارب، فيقول الدكتور محمد الربيعي في كتابه "الوراثة والإنسان": " كل منا يحمل من أربعة الى ثمانية جينات شريرة أو مشوهة، إلا أنها لا تشكل اي خطر على صحتنا، لأنها توجد متنحية، ولقد قدر أن كل واحد من ثلاثة أشخاص طبيعيين يحمل جينا مختبئا، يؤدي في حالة وجوده بشكل زوجي الى قصور عقلي خطير، وعند زواج شخص بآخر من نفس العشيرة، فان الاحتمال كبير في أن يكون الزوج حاملا لنفس الجين الشرير، ويرتفع ذلك الاحتمال عند الزواج من نفس العائلة، مما يؤدي الى زيادة مضطردة في احتمال ولادة أطفال مصابين بأحد الأمراض الوراثية، ويساوي احتمال ولادة طفل مصاب بمرض وراثي، لأولاد العم أو الخال من ٦ - ٨%، في مقابل احتمال ٣ - ٤% لظهور مثل ذلك المرض في المجتمع ككل، لذلك لا ينصح بزواج أبناء العم خصوصا، عند وجود حالة مرضية وراثية في العائلة". (٣)

فلا تعارض بين الشّرع والعلم فكل منهما يدعو لحسن الاختيار، فهو العامل الأساسي لتجنب الإصابة بالأمراض الوراثية، سواءٌ أكان مِنَ الأقارب أمْ مِنَ الأباعد.


(١) - انظر؛ الطبري، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي أبو جعفر، (توفى: ٣١٠ هـ)، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة للنشر، ط ١، ٢٠١٤ هـ-٢٠٠١ م، ج ٢٠، ص ٢٨٤.
(٢) - ابن ماجة، ابو عبد الله بن يزيد القزويني، (توفي: ٢٧٣ هـ)، سنن ابن ماجة، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، دار الرسالة العالمية، ط ١، ١٤٣٠ هـ-٢٠٠٩ م، أبواب النكاح، باب الأكفاء، ج ٣، ص ١٤، حكم الأرنؤوط حديث حسن بطرقه وشواهده.
(٣) - د. محمد الربيعي، الوراثة والانسان، الكويت، سلسلة كتب ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ص ٥٦، ٥٧.