للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوثنية الذين ينسبون الأَمراضَ وغيرها إِلى شيءٍ آخر، وخلافَ قول المُنجِّمين الذين ينسبونها إِلى سعادة الكواكب ونحوستهَا (١).

فلما طال المطال، واشتد الحال، وانتهى القدر المقدور، وتم الأَجل المقدر تضرع أيوب عليه السلام إِلى رب العالمين وإِله المرسلين وفي هذا قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (٤١)} [سورة ص: ٤١]، أي بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي فعند ذلك استجاب له أَرحم الراحمين، وأَمره أَن يقوم من مقامه وأَن يركض الأَرض برجله ففعل فأنبع الله تعالى عينا وأمره أن يغتسل منها فأذهبت جميع ما كان في بدنه من الأَذى وأَمره أَن يشرب منها فأذهبت جميع مَا كَانَ فِي بَاطِنِهِ من السوء وتكاملت العافية ظاهرا وباطنا، ولهذا قال تبارك وتعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (٤٢)} [سورة ص: ٤٢].

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بينما أَيوب يغتسل عريانا خر عليهِ جراد من ذهب فجعل أيوب عليه الصلاة والسلام يحثو في ثوبه فناداه ربه عز وجل يا أَيوب أَلم أَكن أَغنيتك عما ترى قال عليه الصلاة والسلام بلى يا رب ولكن لا غنى لي عن بركتك). (٢)

قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ (٤٣)} [سورة. ص: ٤٣].

قال الحسن وقتادة أَحياهم الله تعالى له بأعيانهم وزادهم مثلهم معهم، وقوله عز وجل: {رَحْمَةً مِنَّا} أَي به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته، وذكرى لأُولي الأَلباب أَي لذوي العقول ليعلموا أَن عاقبة الصبر الفرج والمخرج والراحة، وقال تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٤٤)} [سورة. ص: ٤٤]، أَثنى الله تعالى عليه ومدحه بأَنه نعم العبد إِنه أَوَّاب أَي رجّاع منيب، ولهذا قال جل جلاله: { ... وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣)} [الطَّلَاقِ: ٣]. (٣)

إن موقف أيوب عليه السلام وقصته مع البلاء، مدرسة مليئة بالدروس والعبر لذوي الاحتياجات الخاصة، فما على المسلم من أهل البلاء إلا أن يستعين بالله ويصبر، ليجد بعد ذلك اليسر والفرج من الله تعالى.

ولا زال الى عصرنا هذا من يصبر على البلاء، ويقدم العطاء تلو العطاء بالرغم مما أصابه من بلاء، ومن هؤلاء الشيخ أحمد ياسين.

الذي تعرض لحادث أثناء ممارسته للرياضة، نتج عنه شللٌ لأطرافه، كما كان يعاني من أمراض عديدة منها فقدان البصر في العين اليمنى، بعدما أصيب بضربه أثناء التحقيق معه على


(١) - انظر؛ فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب، ج ٤، ص ١٣٢.
(٢) - البخاري، صحيح البخاري، كتاب احاديث الأنبياء، باب قوله تعالى: {وايوب اذ نادى ربه} ج ٤، ص ١٥١، حديث رقم ٣٣٩١.
(٣) - انظر؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج ٧، ص ٧٤، ٧٥.