للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بين الله عز وجل ذلك بقوله: {فَهُوَ كَظِيمٌ} أَي مكظوم مملوء من الحزن ممسك عليه لا يبثه. (١)

ان الله عز وجل يبتلي ليعافي، ويأخذ ليعطي، فهو الكريم الحليم العليم الرحيم، ومن رحمة الله عز وجل أنه ليس بعد العسر إلا اليسر، وليس بعد الكرب إلا الفرج، وهذا ما كان مع يعقوب عليه السلام.

قال تعالى: {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٩٦)} [يوسف: ٩٦].

قال الطبري رحمه الله تعالى: أي ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب، فرجع مبصرا بعينيه، بعدما عَمي (٢). وقال سيد قطب " فكانت مفاجأة القميص، وهو دليل على يوسف وقرب لقياه، ومفاجأة ارتداد البصر بعدما ابيضت عيناه" (٣).

فهذا يدل على إكرام الله عزَّ وجل، لمن شاء من عباده بمعافاته من البلاء، فالله بيده الأمر واليه يُرجع الأمر، فإذا عوفي العبد من البلاء فليحمد الله، وليعلم أنما هو اختبار وابتلاء، قال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢)} [الانسان: ٢]، وإذا بقي البلاء به، فليحمد الله وليرضى بقضاء الله وليصبر ويحتسب الاجر من الله، فالخير كل الخير في ما يختاره الله تعالى.

فالإبتلاء في البصر مستمر عبر القرون والأزمان، إبتليِ به بعض الأنبياء والعلماء والأولياء ومن هؤلاء الشيخ عبد العزيز بن باز، الذي كان عالما في علوم الشريعة، ومرجع المستفتين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ولد في الرياض عام، شاء الله أن يحجب عنه ضياء البصر وهو في مطالع الصبا، حفظ القرآن عن ظهر قلب قبل أن يبدأ مرحلة البلوغ، مع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبحفظه لكتاب الله باشر انطلاقه في طلب العلم، اتصل بالعديد من المشايخ يتلقى عنهم العلم.

ولي القضاء وبقي فيه (١٤) سنة ونيفا، وكان مصدر خير وبركة لكل ما حوله ومن حوله، حرص على نفع الطلبة أثناء قيامه بمهمة القضاء.

تخلى الشيخ عن عمله في القضاء، ليتفرغ للتدريس في المعاهد والكليات، أصبح رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وكان له أثره البارز والعميق في كل تقدم أحرزته الجامعة تحت إشرافه، ولم يقتصر نشاط الشيخ العلمي عند حدود الجامعة بل امتد إلى الأقاصي البعيدة من وطن


(١) - انظر؛ القرطبي، الجامع لاحكام القران، ج ٩، ص ٢٤٩.
(٢) - انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ١٦، ص ٢٥٨.
(٣) - سيد قطب، في ظلال القرآن، ج ٣، ص ٤٧.