للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الريح تكفؤُه، فضحك القوم منه، فقال صلى الله عليه وسلم: " ممَّ تضحكون؟ " قالوا: يا نبي الله، مِنْ دقَّة ساقيه، فقال: " والذي نفسي بيده، لهما أَثقل في الميزان من أُحد". (١)

وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم -، أنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: (رُبَّ أشعثَ، مَدفوعٍ بالأَبوابِ لو أَقسمَ على اللهِ لأَبرَّه). (٢) فقيمة الإنسان عند الله بإيمانه وليس بسلامة حواسه وأعضائه.

قال تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ}.

جاء في صفوة التفاسير في تأويل قوله تعالى: " {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} أي لا يعيب بعضكم بعضا، أو لا يدعو بعضكم بعضا بلقب السوء، وإنما قال: {أَنْفُسَكُمْ} لأن المسلمين كأنهم نفس واحدة، {بِئْسَ الِاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ}، أي بئس أن يسمى الإنسان فاسقا بعد أن صار مؤمنا، وفي الآية دلالة على أن التنابز فسق، والجمع بينه وبين الإيمان مستقبح، {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} أي ومن لم يتب عن اللمز والتنابز، فأولئك هم الظالمون بتعريض أنفسهم للعذاب". (٣)

كما أن القرآن الكريم يوصي المسلمين بالابتعاد عن الغيبة، والغيبة هي ذكر الآخرين بما يكرهون، فذكر ذوي الاحتياجات الخاصة بما يكرهون تعد غيبة لهم، كأن يقال فلان الأقطع أو فلان الأعور ونحو ذلك، فإذا عُلِمَ أنهم لا يكرهون ذلك فلا حرج باستخدام هذه الألقاب، أو إن كان لاستخدامها حاجة، من أجل التعريف أو التوصيف ونحو ذلك.

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (١٢)} [الحجرات: ١٢].

قال الإمام الطبري في تأويل قوله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}، أي لا يَقُلْ بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره المقولة في وجهه، ولو مرّ بك رجل أقطع، فقلت: إنه أقطع كنت قد اغتبته (٤).

فالقرآن الكريم يدعو الى احترام ذوي الاحتياجات الخاصة، فتحرم غيبتهم كبقية المسلمين، وهذه دعوة للبعد عن ذكرهم بما لا يحبون، حتى وإن لم يكونوا حاضرين، وهذا هو منهج النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قالت: (ذَهبتُ أَحكِي امرأَة، أَو رجلا، عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا أَعْظَمَ ذَلِكَ). (٥)


(١) - احمد بن حنبل، مسند احمد، مسند عبد الله بن مسعود، ج ٧، ص ٩٨ - ٩٩، حديث رقم ٣٩٩١، حكم الأرنؤوط صحيح لغيره.
(٢) - مسلم، صحيح مسلم، باب فَضل الضعَفَاء والخاملين، كتاب البر والصلَة والآداب، ج ٤، ص ٢٠٢٤.
(٣) - الصابوني، صفوة التفاسير، ج ٣، ص ٢٣٥.
(٤) - انظر؛ الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، ج ٢٢، ص ٣٠٥.
(٥) - احمد بن حنبل، مسند أحمد، مسند الصديقة عائشة، ج ٤١، ص ٤٣٣. حكم الأرنؤوط اسناده صحيح.