للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٩١)} [التوبة: ٩١].

قال ابن كثير: " يبين الله تعالى الأعذار التي لا حرج على من قعد معها عن القتال، فذكر منها ما هو لازم للشخص لا ينفك عنه وهو الضعف في التركيب الذي لا يستطيع معه الجِلاد في الجِهاد، ومنه العمى والعرج ونحوهما" (١).

أما القرطبي فقال: وبَيَّنتْ هذه الآية أنه لا حرج على المعذورين وهم قوم عرف عذرهم، كأرباب الزمانة والهرم والعمى والعرج، {إِذَا نَصَحُوا للهِ ورسُولهِ}، إِذَا عرفوا الحقَّ وأَحبُّوا أَولياءَهُ وأَبغضوا أَعداءهُ (٢).

فبمعرفة ذوي الاحتياجات الخاصة للحق والتزامهم به ومحبة أوليائه وبغض أعدائه يصبحون في مرتبة المجاهدين.

قال تعالى: {مَا عَلَى المُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}، قال ابو بكر الجزائري: "أي ليس على من أحسنوا في تخلفهم، لأنه بعذر شرعي، كما أنهم مطيعون لله ورسوله، وقلوبهم ووجوههم مع الله ورسوله وإن تخلفوا بأجسادهم للعذر، فهؤلاء ما عليهم من طريق إلى انتقاصهم أو أذيتهم بحال من الأحوال". (٣)

وبالرغم من أن الله عز وجل، قد أعفى كثيرا من ذوي الاحتياجات الخاصة من الجهاد، إلا أن كثيرا منهم بذلوا ما يستطيعون من الجُهد، لمشاركة إخوانهم من أهل العافية في الجهاد، متحدّين بذلك ما أصابهم من ضعف في أجسامهم، بهمة قوية وعزيمة ماضية ونفس سامية.

فها هو عمرو بن الجموح - رضي الله عنه -، يأتي يوم أُحد للنبي - صلى الله عليه وسلم - يريد الجهاد فيقول: (يا رسول الله أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى اقتل، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة، وكانت رجله عرجاء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نعم"). (٤)

فقاتل حتى قتل، فلم يستسلم لما اصابه، بل بذل جُهده ليحقق مراده، جاهد فاستُشهِد فدخل الجنة رضي الله عنه.

وأما ابن أم مكتوم - رضي الله عنه - فكانت نفسه تتوق للجهاد " فكان يغزو ويقول: ادفعوا الي اللواء، فاني أعمى لا استطيع أن افر، واقيموني بين الصفين، وعن انس - رضي الله عنه -: أن عبد الله بن ام مكتوم يوم القادسية كانت معه راية سوداء عليه درع له". (٥)


(١) - ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج ٤، ص ١٧٤.
(٢) - انظر؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج ٨، ص ٢٢٦.
(٣) - ابو بكر الجزائري، ايسر التفاسير، ج ٢، ص ٤١٢.
(٤) - أحمد بن حنبل، مسند احمد، تتمة مسند الأَنصار، حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ، ج ٣٧، ص ٢٤٧، حديث رقم ٢٢٥٥٣، حكم الأرنؤوط إسناده حسن.
(٥) - الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج ١، ص ٣٦٤.