للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي حديث الخروج إلى الصلاة "فَليَأت وعليه السَّكينة" وفي حديث زيد بن ثابت قال: كنتُ إِلى جنب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فغشيته السَّكينة يريد ما كان يعرض له مِنَ السُّكون والغَيبة عند نزول الوحى. (١)

ومما سبق من التعريفات، نرى أن الفقراء والمساكين هم الذين لا يستطيعون ان يقوموا بأمورهم بسبب ما أصابهم في أجسامهم، فسَكَّنهم وقلَّل حركتهم، قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)} [التوبة: ٦٠]، قال السيوطي رحمه الله: قال قَتَادَة: الفقير الذي به زمانة، والمسكين المحتاج الَّذي ليسَ به زمانة.

ومر عمر بن الخطاب برجُل من أهل الكتاب مطروح على باب فقال: إستكدوني* وأخذُوا مني الجزية حتى كف بصري فليسَ أحد يعود علي بشيء، فَقَالَ عمر: مَا أنصفنا إِذا ثَمَّ، قَالَ: هذا من الذين قال الله فيهم {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} ثُمَّ أَمر لَهُ أَن يرزق ويجري عليه (٢).

فان الله عز وجل بذلك جعل من هذه المصارف الثمانية للزكاة، مصرفين لذوي الاحتياجات الخاصة، وهم الفقراء والمساكين، وقد يشتركون في المصارف المتبقية ان كانوا من أهلها، جاء في تفسير المنار: ولكنَّ ذِكْرَ الفقير في مُقابلة الغنيِّ أَو إطلاق ذكرِهِ، يدُل على المُحتاج في معيشتهِ إلى مواساة غيره، لعدم وُجود ما يكفيه بحسب حاله، ويطلقُ الفقيرُ في اللغة على الكسير الفَقَارِ ومَنْ يشتكي فَقَارَهُ - وهي عظام الظهرِ المَنضودةُ مِنْ لدن الكاهل إلى عجب الذَّنب في الصُّلب - وهذا هو المَعنى الأَصلِيُّ، والمعنى الأَولُ مأخوذٌ منهُ، كما قيل: ومنهُ الفَاقِرَةُ وهي الدَّاهيةُ أو المصيبةُ التي تكسر فَقَارَ الظهرِ.

وأما المِسكينُ فمأخوذٌ مِنْ مادّة السكون المراد به قلة الحركة والاضطراب الحسي مِنَ الضعف والعجز، أو النفسي مِنَ القناعة والصبرِ، وإِنَّما يطلقُ على الفقير إذا كان الفقرُ سبب سكونه (٣).

إن الله عز وجل، خص ذوي الاحتياجات الخاصة بالحق المالي لأنهم يحتاجون له، فهم بحاجة الى النفقة والعلاج والأجهزة التي تساعدهم، والمعدات التي تعوضهم عما فقدوه، فاستحقوا ذلك لأنهم لا يستطيعون أن يتحركوا في الأرض كغيرهم قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ ... } [البقرة: ٢٧٣]، قال الواحدي: قال سعيد بن المسيب: هؤلاء قوم أصابتهم جراحات مع رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاروا زمني، فأحصرهم المرض والزمانة عن الضرب في الأرض (٤).


(١) - انظر؛ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، ج ٢، ص ٣٨٥.
(٢) - انظر؛ السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر جلال الدين، (توفي: ٩١١ هـ) الدر المنثور، بيروت، دار الفكر، ج ٤، ص ٢٢١ - ٢٢٢.
* إستكدوني، كِدّوني فإني مُكِدْ، أي سلوني فاني أعطي على السؤال (الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج ٩، ص ١٠٠).
(٣) - انظر؛ رضا، محمد رشيد، تفسير القرآن الحكيم (تفسير المنار)، ج ١٠، ص ٤٢٣
(٤) - انظر؛ الواحدي، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، ج ١، ص ٣٨٨.